Jump to content

كتاب: أيها الولد


Shareef Raza

تجویز کردہ جواب

كتاب: أيها الولد

(لشيخ الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه وعن سائر الصالحين)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا محمد رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وآله وصحبه أجمعين.

 

إعلم أيها الولد والمحب العزيز - أطال الله بقاك بطاعته وسلك بك سبيل أحبائه: أن منشور النصيحة يكتب من معدن الرسالة. إن كان قد بلغك منه نصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي وإن لم يبلغك فقل لي: ماذا حصلت في هذه السنين الماضية ؟

 

أيها الولد: من جملة ما نصح به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) امته قوله عليه الصلاة والسلام : "علامة إعراض الله تعالي عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه وإن أمرا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له من العبادة لجدير أن تطول عليه حسرته ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره على شره فليتجهز إلى النار". وفي هذه النصيحة كفاية لأهل العلم.

 

أيها الولد: النصيحة سهلة والمشكل قبولها لأنها في مذاق متبعي الهوى مرة. إذ المناهي محبوبة في قلوبهم وعلى الخصوص لمن طالب العلم الرسمي ومشتغلا في فضل النفس ومناقب الدنيا فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخلاصه فيه وأنه مستغن عن العمل وهذا اعتقاد الفلاسفة. سبحان الله العظيم ! لا يعلم هذا المغرور أنه حين حصل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة عليه آكد كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه". وروي أن الجنيد (قدِِِِس الله سره) �روي في المنام بعد موته فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم ؟ قال: "طاحت تلك العبارات وفنيت تلك الإشارات وما نفعنا إلا �ركيعات ركعناها في جوف الليل".

 

أيها الولد: لا تكون من الأعمال مفلسا ولا من الأحوال خاليا وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد. مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة اخري وكان الرجل شجاعا وأهل حرب فحمل عليه أسد عظيم مهيب فما ظنك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟ ومن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب. فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسالة علمية وتعلمها ولم يعمل بها لا تفيده إلا بالعمل. ومثله ايضا لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجبين والكشكاب فلا يحصل البرء إلا باستعمالهما.

(بيت باللسان الفارسي)

كرمى دو هزار رطل همى بيمائي تامى نخورى نباشدت شيدائي(1)

 

ولو قرأت العلم مائة سنة وجمعت ألف كتاب لا تكون مستعدا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله سبحانه وتعالى "وأن ليس للإنسان إلا ماسعى" "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا" "جزاء بما كانوا يكسبون" "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا" "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا".

 

================================================== ==

(1) وترجم هذا البيت الشيخ أمين الكردي (رضي الله عنه وعن سائر الصالحين)

لو كلت ألفي رطل خمر لم تكن لتصير نشوانا إذا لم تشرب

والمقصود هنا أن من ذاق هذا الفن المباح وهذا العلم العالي الشريف عرف ومن لم يذق طعم الوصال لا يعرف. وهنا ملاحظة يجب أن نحسن الظن في مقصد هذا البيت وعدم تحمل النص والمؤلف جرم وتهمة , لان قصده كان للتوضيح بلغة ذلك العصر الذي عاش فيه وهو اعرف منا بذلك فعلينا حمل البيت علي أحسن المحامل.

وما تقول في هذا الحديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا". والإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان ودليل الأعمال أكثر من أن يحصي وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالي وكرمه. لكن بعد أن يستعد بطاعته وعبادته لأن "رحمة الله قريب من المحسنين".

 

ولو قيل أيضا: يبلغ بمجرد الإيمان قلنا: نعم ولكن متي يبلغ؟ وكم من عقبة كوود يقطعها إلى أن يصل؟ فأول تلك العقبات عقبة الإيمان وأنه هل يسلم من سلب الإيمان أم لا؟ وإذا وصل هل يكون خائبا مفلسا؟ وقال الحسن البصري (رضي الله عنه): "يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم".

 

أيها الولد: مالم تعمل لم تجد الأجر. حكي أن رجلا من بني إسرائيل عبد الله تعالى سبعين سنة فأراد الله تعالى أن يجلوه على الملائكة فأرسل الله إليه ملكا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة فلما بلغه قال العابد: نحن خلقنا للعبادة فينبغي لنا أن نعبده. فلما رجع الملك قال: إلهي أنت أعلم بما قال. فقال الله تعالى: "إذا هو لم يعرض عن عبادتنا فنحن مع الكرام لا نعرض عنه إشهدوا يا ملائكتى أني قد غفرت له".

 

وقال سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا" وقال سيدنا علي (رضي الله عنه): "من ظن أنه بدون الجهد بصل فهو متمن ومن ظن أنه ببذل الجهد يصل فهو مستغن" , وقال سيدنا الحسن (رضي الله عنه) : "طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب" وقال: "علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل" وقال سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من اتبع هواه و تمني على الله تعالي الأماني".

 

أيها الولد: كم من ليال أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب وحرمت علي نفسك النوم؟ لا أعلم ما كان الباعث فيه. إن كان نيل عرض الدنيا وجذب حطامها وتحصيل مناصبها والمباهاة علي الأقران والأمثال فويل لك ثم ويل لك. وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي (صلى الله عليه وسلم) وتهذيب أخلاقك وكسر النفس الأمارة بالسوء فطوبي لك ثم طوبي لك. ولقد صدق من قال شعرا

Link to comment
Share on other sites

سهر العيون لغير وجهك ضائع وبكاؤهن لغير فقدك باطل

 

أيها الولد: عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به. أيها الولد أي شيء حاصل لك من تحصيل علم الكلام والخلاف والطب والدواوين والأشعار والنجوم والعروض والنحو والتصريف غير تضيع العمر بخلاف ذي الجلال. إني رأيت في إنجيل سيدنا عيسى (عليه الصلاة والسلام): "من ساعة أن يوضع الميت علي الجنازة إلي أن يوضع على شفير القبر يسأل الله تعالي بعظمته منه أربعين سؤالا. أولها يقول: عبدي طهرت منظر الخلق سنين وما طهرت منظري ساعة. وكل يوم ينظر في قلبك يقول: ما تصنع لغيري وأنت محفوف بخيري. أما أنت فأصم لا تسمع".

 

أيها الولد: العلم بلا عمل جنون والعمل بلا علم لا يكون. واعلم أن العلم الذي لا يبعدك اليوم عن المعاصي ولا يحملك على الطاعة لن يبعدك غدا عن نار جهنم وإذا لم تعمل بعلمك اليوم ولم تدارك الأيام الماضية تقول غدا يوم القيامة: "فأرجعنا نعمل صالحا". فيقال: "يا أحمق أنت من هناك تجيء".

 

أيها الولد: اجعل الهمة في الروح والهزيمة في النفس والموت في البدن لان منزلك القبر وأهل المقابر ينتظرونك في كل لحظة متي تصل إليهم. إياك إياك أن تصل إليهم بلا زاد. قال سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): "هذه الأجساد قفص الطيور أو إصطبل الدواب فتفكر في نفسك: من أيهما أنت؟ إن كنت من الطيور العلوية فحين تسمع طنين طبل ارجعي إلي ربك تطير صاعدا إلي أن تقعد في أعالي بروج الجنان". وكما قال سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : "اهتز عرش الرحمن من موت سعد بن معاذ (رضي الله عنه)" والعياذ بالله إن كنت من الدواب كما قال الله تعالي: "أولئك كالأنعام بل هم أضل" فلا تأمن انتقالك من زاوية الدار إلي هاوية النار. وروي أن سيدنا الحسن البصري (رحمه الله تعالي) أعطي شربة ماء بارد فاخذ القدح وغشي عليه وسقط من يده فلما أفاق قيل: مالك يا أبا سعيد؟ قال: ذكرت أمنية أهل النار حين يقولون لأهل الجنة: "أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله".

 

أيها الولد: لو كان العلم المجرد كافيا لك ولا تحتاج إلي عمل سواه لكان نداء "هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟" ضائعا بلا فائدة. وروي أن جماعة من الصحابة (رضوان الله عليهم اجمعين) ذكروا سيدنا عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) عند سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) , فقال: "نعم الرجل هو لو كان يصلي بالليل". وقال عليه الصلاة والسلام لرجل من أصحابه: "يا فلان لا تكثر النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل يدع صاحبه فقيرا يوم القيامة". أيها الولد "ومن الليل فتهجد به نافلة لك" أمر "وبالأسحار هم يستغفرون" شكر "والمستغفرون بالأسحار" ذكر. قال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة أصوات يحبها الله تعالي: صوت الديك وصوت الذي يقرأ القرآن وصوت المستغفرين بالأسحار" وقال سيدنا سفيان الثوري (رحمة الله تعالي عليه): "إن الله تبارك وتعالي خلق ريحا تهب بالأسحار تحمل الأذكار والاستغفار إلي الملك الجبار" وقال أيضا: "إذا كان أول الليل ينادي مناد من تحت العرش: ألآ ليقم العابدون فيقومون ويصلون ما شاء الله ثم ينادي مناد في شطر الليل: ألا ليقم القانتون فيقومون ويصلون إلي السحر فإذا كان السحر نادي مناد: ألا ليقم المستغفرون فيقومون و يستغفرون فإذا طلع الفجر نادي مناد: ألا ليقم الغافلون فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم".

 

أيها الولد: روي في وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال: "يابني لا يكنن الديك أكيس منك ينادي بالأسحار وأنت نائم". ولقد أحسن من قال شعراً:

لقد هتفت في جنح ليل حمامة علـى فنن وهنا وأني لنائم

كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا لما سبقتني بالبكـاء الحمائم

وأزعم أني هائم ذو صـبابة لربي فلا أبكي وتبكي البهائم

 

أيها الولد: خلاصة العلم أن تعلم الطاعة والعبادة ما هي. أعلم أن الطاعة والعبادة متابعة الشارع في الأوامر والنواهي بالقول والفعل. يعني: كل ما تقول وتفعل وتترك يكون بإقتداء الشرع كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق تكون عاصيا أو صليت في ثوب مغصوب وإن كانت صورة عبادة تأثم

Link to comment
Share on other sites

أيها الولد: ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقا للشرع إذ العلم والعمل بلا إقتداء الشرع ضلالة وينبغي لك ألا تغتر بالشطح وطامات الصوفية(2) لأن سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة لا بالطامات والترهات. وأعلم أن اللسان المطلق والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة وعلامة الشقاوة فإذا لم تقتل النفس بصدق المجاهدة فلن يحيا قلبك بأنوار المعرفة.

 

وأعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول. إن تبلغ تلك الحالة تعرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات لأنها ذوقية وكل ما يكون ذوقيا لا يستقيم وصفه بالقول كحلاوة الحلو ومرارة المر لا تعرف إلا بالذوق. كما حكي أن عنينا (غبيا) كتب إلي صاحب له أن عرفني لذة المجامعة كيف تكون. فكتب له في جوابه: يا فلان إني كنت حسبتك عنينا فقط. والآن عرفت أنك عنين وأحمق. لأن هذه اللذة ذوقية إن تصل إليها تعرف وإلا لا يستقيم وصفها بالقول والكتابة.

 

 

================================================== ==

(2) بما أن سيدي الشيخ الإمام الغزالي (رضي الله عنه وعن سائر الصالحين) كان يدعوا إلى التصوف الإسلامي (أي تصوف العلم والعمل والأدب) الصادق الموصل إلي حضرة الله سبحانه وتعالي عن طريق الإتباع وليس الابتداع. فبذلك حذر من المدعين والكذابين الذين يأتون بلباس الصوفية ظاهرا وباطنهم خراب لقوله سبحانه وتعالي: "كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون" وهولاء إما أن يكونوا قد انحرفوا بعد أن كانوا علي خير وأما أن يكونوا مدسوسين ومندسين لضرب أهل الإسلام وقطعهم عن قائدهم سيدنا ومولانا محمد (صلي الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم) حتى يهدموا الإحسان ثم الإيمان ثم الإسلام. نقطة أخري ايضا في غاية الأهمية عندما قال الشيخ هذه العبارة كان الوقت وقت علماء الظاهر أو الشريعة بسبب سيطرتهم ونفوذهم على الحكام فلذلك خفف الشيخ الموقف بتلك العبارة للمجاملة وحتى لا يجرح مشاعرهم لأنه كان شيخ مصلح مودَب مودِب.

 

أيها الولد: بعض مسائلك من هذا القبيل وأما البعض الذي يستقيم له الجواب فقد ذكرناه في "إحياء العلوم" و غيره. ونذكر هاهنا نبدأ منه ونشير إليه فنقول:

 

قد وجب علي السالك أربعة أمور:

 

الأمر الأول : اعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة.

 

الأمر الثاني : توبة نصوح لا يرجع بعدها إلي الزلة.

 

الأمر الثالث : استرضاء الخصوم حتى لا يبقي لأحد عليك حق.

 

الأمر الرابع : تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى ثم من العلوم الأخرى ما تكون به النجاة.

 

حكي أن سيدنا الشبلي (رحمه الله) خدم أربعمائة استاذ وقال: قرأت أربعة آلاف حديث ثم اخترت منها حديثا واحدا وعملت به وخليت ما سواه لأني تأملته فوجدت خلاصي ونجاتي فيه وكان علم الأولين والآخرين كله مندرجا فيه فاكتفيت به وذلك أن سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال لبعض أصحابه: "إعمل لدنياك بقدر مقامك فيها واعمل لأخرتك بقدر بقائك فيها واعمل لله بقدر حاجتك إليه واعمل للنار بقدر صبرك عليها".

 

أيها الولد: إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلي العلم الكثير. وتأمل في حكايات اخري وذلك أن سيدنا حاتم الأصم (رحمه الله) كان من أصحاب سيدنا الشقيق البلخي (رحمة الله) فسأله يوما: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصلت فيها؟ قال: حصلت على ثماني فوائد من العلم وهي تكفيني منه لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها. فقال شقيق: ما هي؟ قال حاتم الأصم:

 

الفائدة الأولى : أني نظرت إلي الخلق فرأيت لكل منهم محبوبا ومعشوقا يحبه ويعشقه وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلي مرض الموت وبعضه إلي شفير القبر ثم يرجع كله ويتركه فريدا وحيدا ولا يدخل معه في قبره منهم أحد فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل في قبره ويوانسه فيه فما وجدت غير الأعمال الصالحة فأخذتها محبوبا لي لتكون سراجا لي في قبري وتوانسني فيه ولا تتركني فريدا.

 

الفائدة الثانية : أني رأيت الخلق يقتدون بأهوائهم ويبادرون إلي مرادات أنفسهم فتأملت قوله تعالي: "وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوي" وتيقنت أن القرآن حق وصدق فبادرت إلي خلاف نفسي وتشمرت لمجاهدتها ومنعها عن هواها حتى ارتاضت لطاعة الله سبحانه وتعالي وانقادت.

 

الفائدة الثالثة : أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا ثم يمسكه قابضا يده عليه فتأملت في قوله تعالي: "ما عندكم ينفذ وما عند الله باق". فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله تعالي ففرقته بين المساكين ليكون ذخرا لي عند الله تعالي.

 

الفائدة الرابعة : أني رأيت بعض الخلق ظن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر فاغتر بهم وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد فافتخروا بها وحسب بعضهم الشرف والعز في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم واعتقدت طائفة أنه في إتلاف المال إسرافه وتبذيره وتأملت في قوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله اتقاكم". فاخترت التقوى واعتقدت أن القرآن حق صادق وظنهم وحسبانهم كلها باطل زائل.

 

الفائدة الخامسة : أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضا ويغتاب بعضهم بعضا فوجدت ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم فتأملت في قوله تعالي: "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا". فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالي في الأزل فما حسدت أحدا ورضيت بقسمة الله تعالي.

 

الفائدة السادسة : أني رأيت الناس يعادي بعضهم لغرض وسبب فتأملت قوله تعالي: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا". فعلمت أنه لا تجوز عداوة أحد غير الشيطان.

 

الفائدة السابعة : أني رأيت كل أحد يسعى بجد ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش بحيث يقع به في شبهة وحرام ويذل نفسه وينقص قدره فتأملت في قوله تعالي: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها". فعلمت أن رزقي علي الله تعالي وقد ضمنه فاشتغلت بعبادته وقطعت طمعي عمن سواه.

 

الفائدة الثامنة : أني رأيت كل واحد معتمدا علي شئ مخلوق: بعضهم إلى الدينار والدرهم وبعضهم إلى المال والملك وبعضهم إلى الحرفة والصناعة وبعضهم إلى مخلوق مثله فتأملت في قوله تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا". فتوكلت على الله فهو حسبي ونعم الوكيل.

 

فقال سيدنا شقيق (رحمه الله): وفقك الله تعالى إني قد نظرت التوراة والزبور والإنجيل والفرقان فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثمانية. فمن عمل بها كان عاملا بهذه الكتب الأربعة.

 

أيها الولد: قد علمت من هاتين الحكايتين أنك لا تحتاج إلى تكثير العلم. والآن أبين لك ما يجب على سالك سبيل الحق:

 

إعلم أنه ينبغي للسالك شيخ مرشد مرب ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربيته ويجعل مكانها خلقا حسنا ومعنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه. ولا بد للسالك من شيخ يؤدبه ويرشده إلى سبيل الله تعالى لأن الله أرسل للعباد رسولا للإرشاد إلى سبيله. فإذا ارتحل صلي الله عليه وسلم فقد خلف الخلفاء في مكانه حتى يرشدوا إلى الله تعالى.

 

وشرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لسيدنا رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) أن يكون عالما ولكن لا كل عالم يصلح للخلافة. وإني أبين لك بعض علاماته على سبيل الإجمال حتى لا يدعي كل احد أنه مرشد. فنقول: من يعرض عن حب الدنيا وحب الجاه وكان قد تابع لشخص بصير تتسلسل متابعته إلى سيد المرسلين (صلي الله عليه وسلم) وكان محسنا رياضة نفسه بقلة الأكل والقول والنوم وكثرة الصلوات والصدقة والصوم وكان بمتابعته ذلك الشيخ البصير جاعلا محاسن الأخلاق له سيرة كالصبر والصلاة والشكر والتوكل واليقين والقناعة وطمأنينة النفس والحلم والتواضع والعلم والصدق والحياء والوفاء والوقار والسكون والتأني وأمثالها. فهو إذا نور من أنوار سيدنا النبي (صلي الله عليه وسلم) يصلح للإقتداء به ولكن وجود مثله نادر أعز من الكبريت الأحمر ومن ساعدته السعادة فوجد شيخا كما ذكرنا وقبله الشيخ ينبغي أن يحترمه ظاهرا وباطنا.

 

أما احترام الظاهر فهو ألا يجادله ولا يشتغل بالاحتجاج معه في كل مسألة وإن علم خطاه. ولا يلقي بين يديه سجادته إلا وقت أداء الصلاة فإذا فرغ يرفعها. ولا يكثر نوافل الصلاة بحضرته. ويعمل ما يأمره الشيخ من العمل بقدر وسعه وطاقته.

 

وأما احترام الباطن فهو أن كل ما يسمع ويقبل منه في الظاهر لا ينكره في الباطن لا فعلا ولا قولا لئلا يتسم بالنفاق. وإن لم يستطع يترك صحبته إلى أن يوافق باطنه ظاهره. ويحترز عن مجالسة صاحب السوء ليقصر ولاية شياطين الجن والإنس عن صحن قلبه فيصفي من لوث الشيطنة وعلى كل حال يختار الفقر على الغني.

 

ثم اعلم أن التصوف له خصلتان:

 

(1)الاستقامة مع الله تعالى.

 

(2)والسكون عن الخلق.

 

فمن استقام مع الله عز وجل وأحسن خلقه بالناس وعاملهم بالحلم فهو صوفي. والاستقامة أن يفدي حظ نفسه على أمر الله تعالى. وحسن الخلق مع الناس ألا تحمل الناس علي مراد نفسك بل تحمل نفسك علي مرادهم ما لم يخالفوا الشرع

Link to comment
Share on other sites

ثم إنك سألتني عن العبودية وهي ثلاثة أشياء:

 

(1)محافظة أمر الشرع.

 

(2)الرضاء بالقضاء والقدر وقسمة الله تعالى.

 

(3)ترك رضاء نفسك في طلب رضاء الله تعالى.

 

وسألتني عن التوكل وهو أن يستحكم اعتقادك بالله تعالى فيما وعد يعني تعتقد أن ما قدر لك سيصل إليك لا محالة وإن اجتهد كل من في العالم على صرفه عنك وما لم يكتب لن يصل إليك وإن ساعدك جميع العالم.

 

وسألتني عن الإخلاص وهو أن تكون أعمالك كلها لله تعالى ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس ولا تبالي بمذمتهم. واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق. وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة وتحسبهم كالجمادات في عدم قدرة إيصال الراحة والمشقة لتخلص من مراءاتهم. ومتى تحسبهم ذوي قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء.

 

أيها الولد: والباقي من مسائلك بعضها مسطور في مصنفاتي فاطلبه ثمة وكتابة بعضها حرام. إعمل أنت بما تعلم لينكشف لك ما لم تعلم.

 

أيها الولد: بعد اليوم لا تسألني ما أشكل عليك إلا بلسان الجنان لقوله تعالى: "ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم". واقبل نصيحة سيدنا الخضر (عليه السلام) حين قال: "فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا". ولا تستعجل حتى تبلغ أوانه فينكشف لك وتراه لقوله تعالى "سأريكم آياتي فلا تستعجلون". فلا تسألني قبل الوقت وتيقن أنك لا تصل إلا بالسير لقوله تعالى "أو لم يسيروا في الأرض فينظروا".

 

أيها الولد: بالله إن تسر تر العجائب في كل منزل وابذل روحك فإن رأس هذا الأمر بذل الروح كما قال سيدنا ذو النون المصري (رحمه الله تعالى) لأحد تلامذته: "إن قدرت علي بذل الروح فتعال وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية".

 

أيها الولد: إني أنصحك بثمانية أشياء إقبلها مني لئلا يكون علمك خصما عليك يوم القيامة. تعمل منها أربعة وتدع منها أربعة.

 

أما الأربعة اللواتي تدع:

 

أولاً: ألا تناظر أحدا في مسألة ما استطعت لأن فيها آفات كثيرة فإثمها أكبر من نفعها إذ هي منبع كل خلق ذميم كالرياء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهاة وغيرها. نعم لو وقع مسألة بينك وبين شخص أو قوم وكانت إرادتك فيها أن يظهر الحق ولا يضيع جاز البحث. لكن لتلك الإرادة علامتان:

 

أحداهما : ألا تفرق بين أن ينكشف الحق علي لسانك أو علي لسان غيرك.

والثانية : أن يكون البحث في الخلاء أحب إليك من أن يكون في الملا.

 

واسمع إني أذكر لك ها هنا فائدة واعلم أن السوال عن المشكلات عرض مرض القلب إلى الطبيب والجواب له سعي لإصلاح مرضه. واعلم أن الجاهلين المرضي قلوبهم والعلماء الأطباء والعالم الناقص لا يحسن المعالجة والعالم الكامل لا يعالج كل مريض بل يعالج من يرجو قبول المعالجة والصلاح وإذا كانت العلة مزمنة أو عقيما لا تقبل العلاج فحذاقة الطبيب فيه أن يقول هذا لا يقبل العلاج فلا تشتغل فيه بمداواته لأن فيه تضييع العمر

Link to comment
Share on other sites

ثم اعلم أن مرض الجهل على أربعة أنواع:

 

(1) يقبل العلاج والباقي لا يقبل.

أما الذي لا يقبل العلاج كان اعتراضه عن حسده وبغضه فكلما تجيبه بأحسن الجواب وأفصحه وأوضحه فلا يزيد له ذلك إلا بغضا وعداوة وحسدا فالطريق ألا تشتغل بجوابه فقد قيل:

 

كل العداوة قد ترجي إزالتها إلا عداوة من عاداك عن حسد

 

فينبغي أن تعرض عنه وتتركه مع مرضه. قال الله تعالى: "فأعرض عمن تولي عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا". والحسود بكل ما يقول ويفعل يوقد النار في زرع عمله كما قال النبي (عليه الصلاة والسلام): "ألحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".

 

(2) أن تكون علته من الحماقة وهو أيضا لا يقبل العلاج.

كما قال عيسى (عليه السلام): "إني ما عجزت عن إحياء الموتى وقد عجزت عن معالجة الأحمق". وذلك رجل يشتغل بطلب العلم زمنا قليلا ويتعلم شيئا من العلم العقلي والشرعي فيسأل ويعترض من حماقته على العالم الكبير الذي مضى عمره في العلوم العقلية والشرعية وهذا الأحمق لا يعلم ويظن أن ما أشكل عليه هو ايضا مشكل على العالم الكبير. فإذا لم يعلم هذا القدر يكون سؤاله من الحماقة. فينبغي ألا تشتغل بجوابه.

 

(3) أن يكون مسترشدا.

وكل ما لا يفهم من كلام الأكابر يحمل على قصور فهمه وكان سؤاله للاستفادة لكن يكون بليدا لا يدرك الحقائق فلا ينبغي الاشتغال بجوابه ايضا كما قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "نحن معاشر الأنبياء امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم".

 

(4) أما المرض الذي يقبل العلاج فهو أن يكون مسترشدا عاقلا.

فهما لا يكون مغلوب الحسد والغضب وحب الشهرة والجاه والمال ويكون طالب الطريق المستقيم ولم يمن سؤاله واعتراضه عن حسد وتعنت وامتحان. وهذا يقبل العلاج فيجوز أن تشتغل بجواب سؤاله بل يجب عليك إجابته.

 

ثانياً : مما تدع هو أن تحذر من أن تكون واعظا ومذكرا لأن فيه آفة كثيرة إلا أن تعمل بما تقول أولا ثم تعظ به الناس. فتفكر فيما قيل لعيسى (عليه السلام): "يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستح من ربك

Link to comment
Share on other sites

وإن ابتليت بهذا العمل فاحترز عن خصلتين:

 

(1) الخصلة الأولي: عن التكلف في الكلام بالعبارات والإشارات والطامات والأبيات والأشعار لأن الله تعالى يبغض المتكلفين والمتكلف المتجاوز عن الحد يدل على خراب الباطن وغفلة القلب ومعني التذكير أن يذكر العبد نار الآخرة وتقصير نفسه في خدمة الخالق ويتفكر في عمره الماضي الذي أفناه فيما لا يعينه ويتفكر فيما بين يديه من العقبات من عدم سلامة الإيمان في الخاتمة وكيفية حاله في قبض ملك الموت وهل يقدر على جواب منكر ونكير ويهتم بحاله في القيامة ومواقفها وهل يعبر عن الصراط سالما أم يقع في الهاوية؟ ويستمر ذكر هذه الأشياء في قلبه فيزعجه عن قراره. فغليان هذه النيران ونوحة هذه المصائب يسمي تذكيرا.

 

وإعلام الخلق وإطلاعهم على هذه الأشياء وتنبيههم على تقصيرهم وتفريطهم وتبصيرهم بعيوب أنفسهم لتمس حرارة هذه النيران أهل المجلس وتجزعهم تلك المصائب ليتداركوا العمر الماضي بقدر الطاقة ويتحسروا على الأيام الخالية في غير طاعة الله تعالى: هذه الجملة على هذا الطريق تسمى وعظا. كما لو رأيت أن السيل قد هجم على دار أحد وكان هو وأهله فيها فتقول: الحذر الحذر فروا من السيل. وهل يشتهي قلبك في هذه الحالة أن تخبر صاحب الدار خبرك بتكلف العبارات والنكت والإشارات فلا تشتهي البتة فكذلك حال الواعظ فينبغي أن يتجنبها.

 

(2) والخصلة الثانية: ألا تكون همتك في وعظك أن ينعر الخلق في مجلسك أو يظهروا الوجد ويشقوا الثياب ليقال: نعم المجلس هذا! لأن كله ميل للدنيا وهو يتولد من الغفلة. بل ينبغي أن يكون عزمك وهمتك أن تدعو الناس من الدنيا إلى الآخرة ومن المعصية إلى الطاعة ومن الحرص إلى الزهد ومن البخل إلى السخاء ومن الشك إلى اليقين ومن الغفلة إلى اليقظة ومن الغرور إلى التقوى وتحبب إليهم الآخرة وتبغض إليهم الدنيا وتعلمهم علم العبادة والزهد ولا تغرهم بكرم الله تعالى عز وجل ورحمته , لأن الغالب في طباعهم الزيغ عن منهج الشرع والسعي فيما لا يرضى الله تعالي به والاستعثار بالأخلاق الردية. فألق في قلوبهم الرعب وروعهم وحذرهم عما يستقبلون من المخاوف لعل صفات باطنهم تتغير ومعاملة ظاهرهم تتبدل ويظهر الحرص والرغبة في الطاعة والرجوع عن المعصية. وهذا طريق الوعظ والنصيحة وكل وعظ لا يكون هكذا فهو وبال على من قال وسمع بل قيل: إنه غول وشيطان يذهب بالخلق عن الطريق ويهلكهم فيجب عليهم أن يفروا منه لأن ما يفسد هذا القائل من دينهم لا يستطيع بمثله الشيطان. ومن كانت له يد وقدرة يجب عليه أن ينزله عن منابر المواعظ ويمنعه عما باشر فإنه من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

ثالثاً : مما تدع ألا تخالط الأمراء والسلاطين ولا تراهم لأن رؤيتهم ومجالستهم ومخالطتهم آفة عظيمة ولو ابتليت بها دع عنك مدحهم وثناهم لأن الله تعالى يغضب إذا مدح الفاسق والظالم. ومن دعا لطول بقائهم فقد أحب أن يعصى الله تعالى في أرضه.

 

رابعاً: مما تدع ألا تقبل شيئا من عطاء الأمراء وهداياهم وإن علمت أنها من الحلال. لأن الطمع منهم يفسد الدين لأنه يتولد منه المداهنة ومراعاة جانبهم والموافقة في ظلمهم. وهذا كله فساد في الدين وأقل مضرته أنك إذا قبلت عطاياهم وانتفعت من دنياهم أحببتهم ومن أحب أحدا يحب طول عمره وبقائه بالضرورة وفي محبة الظالم إرادة في الظلم على عباد الله تعالى وإرادة خراب العالم. فأي شيء يكون أضر من هذا للدين والعاقبة؟ وإياك إياك أن يخدعك استهواء الشياطين أو قول بعض الناس لك بأن الأفضل والأولى أن تأخذ الدينار والدرهم منهم وتفرقهما بين الفقراء والمساكين فإنهم ينفقون في الفسق والمعصية وإنفاقك على ضعفاء الناس خير من إنفاقهم فإن اللعين قد قطع أعناق كثير من الناس بهذه الوسوسة وقد ذكرناه في إحياء العلوم فاطلبه ثمة.

 

وأما الأربعة التي ينبغي لك أن تفعلها :

 

أولاً: أن تجعل معاملتك مع الله تعالى بحيث لو عامل معك بها عبدك ترضى بها منه ولا يضيق خاطرك عليه ولا تغضب والذي لا ترضى لنفسك من عبدك المجازي فلا ترض أيضا لله تعالى وهو سيدك الحقيقي.

 

ثانياً: كلما عملت بالناس اجعله كما ترضى لنفسك منهم لأنه لا يكمل إيمان عبد حتى يحب لسائر الناس ما يحب لنفسه.

 

ثالثاً: إذا قرأت العلم أو طالعته ينبغي أن يكون علمك يصلح قلبك ويزكي نفسك كما لو علمت أن عمرك ما يبقى غير أسبوع فبالضرورة لا تشتغل فيها بعلم الفقه والأخلاق والأصول والكلام وأمثالها لأنك تعلم أن هذه العلوم لا تغنيك. بل تشتغل بمراقبة القلب ومعرفة صفات النفس والإعراض عن علائق الدنيا وتزكي نفسك عن الأخلاق الذميمة وتشتغل بمحبة الله تعالى وعبادته والاتصاف بالأوصاف الحسنة ولا يمر على عبد يوم وليلة إلا ويمكن أن يكون موته فيه.

 

أيها الولد: إسمع مني كلاما آخر وتفكر فيه حتى تجد خلاصا: لو أنك أخبرت أن السلطان بعد أسبوع يجيئك زائرا فأنا أعلم أنك في تلك المدة لا تشتغل إلا بإصلاح ما علمت أن نظر السلطان سيقع عليه من الثياب والبدن والدار والفراش وغيرها والآن تفكر إلى ما أشرت به فإنك فهم والكلام الفرد يكفي الكيس قال سيدنا رسول الله (عليه الصلاة والسلام): "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم" وإن أردت علم أحوال القلب فانظر إلى "الإحياء" وغيره من مصنفاتي. وهذا العلم فرض عين وغيره فرض كفاية إلا مقدار ما يؤدى به فرائض الله تعالى وهو يوفقك حتى تحصله.

 

رابعاً: ألا تجمع من الدنيا أكثر من كفاية سنة كما كان سيدنا رسول الله (عليه الصلاة والسلام) يعد ذلك لبعض حجراته وقال: "أللهم اجعل قوت آل محمد كفافا". ولم يكن يعد ذلك لكل حجراته بل كان يعده لمن علم أن في قلبها ضعفا. وأما من كانت صاحبة يقين فما كان يعد لها أكثر من قوت يوم أو نصف.

 

أيها الولد: إني كتبت في هذا الفصل ملتمساتك فينبغي لك أن تعمل بها ولا تنساني فيه من أن تذكرني في صالح دعائك. وأما الدعاء الذي سألت مني فاطلبه من دعوات الصحاح وأقرأ هذا الدعاء في جميع أوقاتك خصوصا أعقاب صلواتك:

 

"أللهم إني أسألك من النعمة تمامها ومن العصمة دوامها ومن الرحمة شمولها ومن العافية حصولها ومن العيش أرغده ومن العمر أسعده ومن الإحسان أتمه ومن الإنعام أعمه ومن الفضل أعذبه ومن اللطف أقربه. أللهم كن لنا ولا تكن علينا.

 

أللهم اختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا واصبب سجال عفوك على ذنوبنا ومن علينا بإصلاح عيوبنا واجعل التقوى زادنا وفي دينك اجتهادنا وعليك توكلنا واعتمادنا.

 

أللهم ثبتنا على نهج الاستقامة وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة وخفف عنا ثقل الأوزار وارزقنا عيشة الأبرار واكفنا واصرف عنا شر الأشرار وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا من النار برحمتك يا عزيز يا غفار يا كريم يا ستار يا عليم يا جبار يا الله يا الله يا الله برحمتك يا أرحم الراحمين و يا أول الأولين ويا آخر الآخرين ويا ذا القوة المتين ويا راحم المساكين ويا أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين

Link to comment
Share on other sites

بحث میں حصہ لیں

آپ ابھی پوسٹ کرکے بعد میں رجسٹر ہوسکتے ہیں۔ اگر آپ پہلے سے رجسٹرڈ ہیں تو سائن اِن کریں اور اپنے اکاؤنٹ سے پوسٹ کریں۔
نوٹ: آپ کی پوسٹ ناظم کی اجازت کے بعد نظر آئے گی۔

Guest
اس ٹاپک پر جواب دیں

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
  • حالیہ دیکھنے والے   0 اراکین

    • کوئی رجسٹرڈ رُکن اس صفحے کو نہیں دیکھ رہا
×
×
  • Create New...