Jump to content

Shareef Raza

ںاظم اعلیٰ
  • کل پوسٹس

    1,494
  • تاریخِ رجسٹریشن

  • آخری تشریف آوری

  • جیتے ہوئے دن

    22

سب کچھ Shareef Raza نے پوسٹ کیا

  1. ولقد فقه سلفنا الصالح هذا الأمر وقدروه حق قدره وأوصوا به تلاميذهم وخلصاءهم، فلم يكن همهم من العلم مجرد الرواية بل الرعاية والعناية، فبورك لهم في علمهم وكتب الله لهم به لسان صدق في العالمين. يقول الحسن البصري رحمه الله: (همة العلماء الرعاية، وهمة السفهاء الرواية) ويقول الخطيب البغدادي في نصيحته لطالب العلم : (وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية لا حفظ رواية، فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل، ورب حاضر كالغائب، وعالم كالجاهل، وحامل للحديث ليس معه منه شيء، إذ كان في اطراحه لحكمه بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه !) وكانوا يستعينون على حفظ الحديث بالعمل به، ويستعينون على طلبه بالصوم، يقول الشعبي رحمه الله: (كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، وكنا نستعين على طلبه بالصوم)، ويقول وكيع بن الجراح: (إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به) وقد روي مثله عن ابن الصلاح رحمه الله، وقد اشتهر عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: (ما بلغني حديث إلا عملت به، وما عملت به إلا حفظته) وقد سئل سفيان الثوري رحمه الله: طلب العلم أحب إليك أم العمل؟ فقال: (إنما يراد العلم للعمل، فلا تدع طلب العلم للعمل، ولا تدع العمل لطلب العلم) وروي عنه رحمه الله قوله: (يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل!!) وقد روي هذا الأثر عن علي بن أبي طالب وعن جماعة من السلف منهم ابن المنكدر وغيره. وكانوا يرون بركة العلم أن تظهر آثاره على سمت طلابه وفي إصلاحهم مظهرا ومخبرا ، يقول الحسن البصري رحمه الله: (كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى أثر ذلك في تخشعه وهديه ولسانه ويده!) وكانوا يوصون بذلك تلاميذهم وخلصاءهم، فعن أبي قلابة رحمه الله أنه قال: يا أيوب: (إذا أحدث الله لك علما فأحدث له عبادة، ولا يكن همك أن تحدث به) التدرج في طلب العلم فالتدرج سنة عامة في التعلم وفي غيره، وإن من طلب العلم جملة فاته جملة، كما قال الزهري رحمه الله، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان، ولعل هذا بعض الحكمة في نزول القرآن الكريم منجما على مدي سني البعثة، وأمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأه على الناس على مكث، قال تعالى: ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) الإسراء: وقد قال سفيان الثوري رحمه الله: كنت آتي الأعمش ومنصورا فأسمع أربعة أحاديث ثم أنصرف كراهة أن تكثر وتفلت، وجاء إليه رحمه الله شيخ، فسأله عن حديث فأجابه، ثم عن آخر فأجابه، ثم عن ثالث فأجابه، ثم سأله عن الرابعة فقال: إنما كنت أقرأ على الشيخ الحديثين والثلاثة لا أزيد حتى أعرف العلم والعمل بها، فألح عليه الشيخ فلم يجبه، فجلس يبكي، فقال له سفيان: يا هذا، تريد! ما أخذته في أربعين سنة تأخذه أنت في يوم واحد؟! وقال ابن شهاب ليونس بن زيد: (يا يونس، لا تكابر العلم! فإن العلم أودية، بأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة، ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي). أدب الطلب لطلب العلم آداب، منها ما يتعلق بأدب الطالب في نفسه، ومنها ما بتعلق بأدبه مع شيخه، ومنها ما يتعلق بأدبه مع أقرانه، ومنها ما يتعلق بأدبه مع درسه وطلبه للعلم. أدب طالب العلم في نفسه - التخلية قبل التحلية، ينبغي لطالب العلم أن يتهيأ لطلب العلم بتطهير قلبه من الغش، والغل، والحسد، وفساد المعتقد، وسوء الخلق، ليصبح أهلا لطلب العلم وقبوله، فإن القلوب تطيب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة. - إحسان القصد وإصلاح النية، وذلك بأن يبتغي بطلبه للعلم وجه الله تعالى، فإن طلب العلم عبادة، والعبادة لا تصلح إلا لله تعالى وحده، فمن طلب به دنيا يصيبها، أو شرفا يناله، فقد أفسد دينه، ويوشك أن يفسد دنياه! قال صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه!) - الزهادة في فضول العيش، وعدم التشوف إلى لعاعة الدنيا التي يتعلق بها كثير من المخدوعين، بحيث يقنع بما تيسر من الغذاء والكساء، ويجمع قلبه على طلب العلم، ويتخذه سبيلا إلى الآخرة، يقول الشافعي رحمه الله: لا ينال أحد هذا العلم بالمال وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح. - الإقلال من المنام ومن الطعام، فما وصف أحد من أهل الفضل بكثرة أكله أو بكثرة منامه، وقد عنون المحدثون في كتبهم فقالوا: باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل، وحسبنا في هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ما لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) (أخرجه أحمد والترمذي)، ولله در الأندلسي القحطاني إذ يقول! لا تحش بطنك بالطعام تسمنا *** فجسوم أهل العلم غير سمان أقلل طعامك ما استطعت فإنه *** نفع الجسوم وصحة الأبدان واملك هواك بضبط بطنك إنما *** شر الرجال العاجز البطنان - تحري الورع في أموره كلها طعاما وشرابا ولباسا ومسكنا، وبهذا يستنير قلبه، ويصبح أهلا لقبول العلم والانتفاع به، فلا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال، ولا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام جنة من الحلال، وكان ابن عمر يقول: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها , ورحم الله عبد الله بن المبارك إذ يقول: يا طالب العلم بادر الورعا *** وهاجر النوم واهجر الشبعا - حسن اختيار الرفقة الذين إذا نسي ذكروه، وإذا ذكر أعانوه، وإن احتاج واسوه، وإن ضجر صبروه، وإن من نعمة الله على الشاب إذا تنسك أن يؤاخي صاحب سنة يحمله عليها، وقد جاء في الحلية لأبي نعيم: قيل لسفيان: من نجالس؟ قال: من تذكركم بالله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة عمله، ويزد في علمكم منطقه!، وفي الإبانة للحافظ ابن بطة: عن قتادة قال: إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله، فصاحبوا الصالحين من عباد الله لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم. ثم قال ابن بطة رحمه الله: (فانظروا رحمكم ال! له من تصحبون وإلى من تجلسون، واعرفوا كل إنسان بخدنه، وكل أحد بصاحبه، أعاذنا الله وإياكم من صحبة المفتونين ولا جعلنا وإياكم من إخوان العابثين، ولا من أقران الشياطين، وأستوهب الله لي وإياكم عصمة من الضلال، وعافية من قبح الأفعال، ويقول الزرنزجي في تعليم المتعلم: (وأما اختيار الشريك فينبغي أن يختار المجد الورع وصاحب الطبع المستقيم، ويفر من الكسلان والمعطل والمكثار والمفسد والفتان! - التوقر، والإقلال من اللغو والمزاح وكثرة الضحك، ونحوه، يقول الخطيب البغدادي رحمه الله: (يجب على طالب الحديث أن يتجنب اللعب، والتبذل في المجالس بالسخف والضحك والقهقهة وكثرة التنادر وإدمان المزاح والإكثار منه، وإنما يستجاز من المزاح يسيره ونادره، وطريفه الذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه وما أوغر منه الصدور وجلب الشر فإنه مذموم، وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر ويزيل المروءة) (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/156) ومما نسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عن! ه في هذا المقام: فلا تكثرن القول في غير وقته *** وأدمن على الصمت المزين للعقل يموت الفتى من عثرة بلسانه *** وليس يموت الفتى من عثرة الرجل! ويقول أيضا: إن القليل من الكلام بأهله *** حسن وإن كثيره ممقوت ما زل ذو صمت وما من مكثر *** إلا يزل وما يعاب صموت إن كان ينطق ناطق من فضة *** فالصمت در زانه ياقوت - تجنب التسويف وطول الأمل، والمبادرة إلى طلب العلم في مستهل شبابه وإقبال حياته، قال صلى الله عليه وسلم: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.(صحيح الجامع الصغير حديث رقم: 1088) - تجنب الغرور، والنظر إلى نفسه بعين الكمال والاستغناء عن المشايخ، فإن ذلك عين الجهل، وقلة التوفيق، إذ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، وقد يستفيد الرجل ممن هو دونه، كما يستفيد من أقرانه وممن هو فوقه، ولا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى فهو أجهل ما يكون، كما يقول سعيد بن جبير رحمه الله، - تجنب الاشتغال بالخلافيات، سواء في السمعيات أو في العقليات، فإنه مما يحير ذهن المبتدئ ويدهش عقله، وخير له أن يجمع همته على كتاب يتقنه في كل فن، أو متنا يحفظه في كل علم، بدلا من الدخول في شعاب الجدل والمناظرات، التي قل من اشتغل بها في أول أمره فرجع منها سالما، وإن من حفظ المتون حاز الفنون ٍ - تجنب التنقل بين الكتب أو الشيوخ من غير موجب، فإنه علامة الضجر وعدم الفلاح، إلا إذا كان ذلك في إطار برامج مرتبة وخطط معروفة سلفا كما هو الحال في الجامعات ومعاهد العلم الإسلامية المعاصرة فلا حرج. آداب طالب العلم مع شيخه - تخير أصحاب الديانة والصيانة من الشيوخ، فإن من سبر أحوال السلف والخلف أدرك أن النفع لا يحصل غالبا إلا إذا كان للشيخ نصيب وافر من التقوى وحسن الصلة بالله عز وجل، فقد روي عن ابن سيرين وغيره: (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم) وقال الخطيب البغدادي: (ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة وعرف بالستر والصيانة) - إجلال الشيوخ وتقديرهم وعدم التقدم بين أيديهم - ملازمة الشيوخ للاستفادة من هديهم وسمتهم فإن من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه مع أهل العلم - التأدب في الجلوس بين يدي شيخه، وحسن الإصغاء إليه، وأن لا يتشاغل عن ذلك بشيء - الصبر على ما قد يصدر عن شيخه من جفوة وشدة في بعض الأحيان والتماس العذر له. - التلطف في السؤال عما أشكل عليه، فإنما شفاء العي السؤال، وأدب السائل من أنجع الوسائل، فإن سكت شيخه عن الجواب لم يلحف عليه في المسألة، وإن أخطأ تلطف في المراجعة. - حسن الإصغاء حتى فيما سبق له به علم، فإن هذا من أحسن الأدب لطالب العلم، يقول عطاء بن أبي رباح: (إني لأسمع الشاب ليتحدث بالحديث فأسمع له كأني لا أحسن منه شيئا) ويقول أيضا: (وإني لأسمع الشاب ليتحدث بالحديث فأسمع له كأني لم أسمع به، ولقد سمعته قبل أن يولد). آداب طالب العلم في درسه - التبكير بسماع العلم والمسارعة إليه والملازمة لشيوخه - ترغيب بقية الطلبة في التحصيل، وإعانتهم عليه، وإرشادهم إلى مظانه، ومذاكرتهم بما حصله من الفوائد، وأن لا يدل عليهم بما أوتي من قوة حافظة أو حضور بديهة فإن ذلك من النعم التي تقيد بالشكر
  2. ولقد اشتهر لدى سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إرسال أبنائهم في باكورة حياتهم إلى مؤدبين لحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة من ناحية، ولتعليمهم السمت والهدي والخلق الحسن من ناحية أخرى، فإذا بلغوا سن التكليف أحضروهم مجالس بعض العلماء ليقتدوا بهم في الهدي والسمت والعبادة، وذلك قبل أن يخرجوهم إلى حلق العلم، فإن من أدب صغيرا قرت عينه كبيرا، ومن أدب ابنه أرغم أنف عدوه! ولله در القائل إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب يذكر الحافظ الذهبي رحمه الله أن المأمون كان قد عهد إلى الفراء بتربية ولديه يلقنهما النحو، فأراد القيام، فابتدرا إلى نعله، فقدم كل واحد منهما فردة، فبلغ ذلك المأمون، فقال: لن يكبر الرجل عن تواضعه لسلطانه وأبيه ومعلمه! وقال عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده: (علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وروهم الشعر يشجعوا وينجدوا، وجالس بهم أشراف الناس وأهل العلم منهم، فإنهم أحسن الناس رعة، وأحسنهم أدبا، وجنبهم السفلة والخدم، فإنهم أسوأ الناس رعة وأسوأهم أدبا، ومرهم فليستاكوا عرضا، وليمصوا الماء مصا، ولا يعبوه عبا، ووقرهم في العلانية، وذللهم في السر، واضربهم على الكذب، إذ الكذب يدعو إلى الفجور، والفجور يدعو إلى النار، وجنبهم شتم أعراض الرجال، فإن الحر لا يجد من عرضه عوضا، وإذا ولوا أمرا فامنعهم من ضرب الأبشار، فإنه عار باق، ووتر مطلوب! واحملهم على صلة الأرحام، واعلم أن الأدب أولى بالغلام من النسب. ويقول الإمام مالك رحمه الله: كانت أمي تعممني وتقول لي: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه، ويقول عبد الله بن المبارك: (كانوا يطلبون الأدب ثم العلم) ويقول أيضا: (كاد الأدب يكون ثلثي العلم) ويقول أبو زكريا العنبري: (علم بلا أدب كنار بلا حطب، وأدب بلا علم كجسد بلا روح)، ويقول سفيان بن سعيد الثوري: (ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وكان الرجل لا يطلب العلم حتى يتأدب ويتعبد قبل ذلك عشرين سنة!) ولا شك أن الحرمان من الأدب آية شقاوة وخذلان، فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، وما استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب، لقد كان أدب مع الوالدين في قصة الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة طوق نجاة،وكان أدب الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وإحجامه عن أن يتقدم بين يديه قائلا: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سببا في إرثه لمقامه والإمامة بعده، فكان ذلك التأخر منه إلى الوراء ليتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم سببا في جعله في طليعة الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقفزا به إلى الأمام بعيدا بعيدا إلى غايات تنقطع دونها أعناق المطي! وكان الإخلال به في قصة جريج – على الرغم من التأويل – سببا في بلائه بهدم صومعته وضرب الناس له ورميه بالفاحشة! يقول الجلاجلي البصري: التوحيد موجب يوجب الإيمان، فمن لا إيمان له فلا توحيد له، والإيمان موجب يوجب الشريعة، فمن لا شريعة له فلا إيمان له ولا توحيد له، والشريعة موجب يوجب الأدب، فمن لا أدب له لا شريعة له، ولا إيمان له، ولا توحيد له! ويقول عبد الله بن المبارك: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة (مدارج السالكين: 2 / 381 وقد أشرف الليث بن سعد على بعض أصحاب الحديث فرأى منهم شيئا كرهه فقال: ما هذا؟! أنتم إلى يسير من الأدب، أحوج منكم إلى كثير من العلم!) ورحم الله الخطيب البغدادي الذي آلمه ما يقع من بعض طلاب الحديث في زمانه فأرسل هذه الزفرات: (وقد رأيت خلقا من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث، ويعدون أنفسهم من أهله، المختصين بسماعه ونقله، وهم أبعد الناس مما يدعون، وأقلهم معرفة بما إليه ينتسبون، يرى الواحد منهم إذا كتب عددا قليلا من الأجزاء، واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر، أنه صاحب حديث على الإطلاق، ولما يجهد نفسه ويتعبها في طلابه، ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه وأبوابه...... إلى أن قال: (وهم مع قلة كتبهم لهم وعدم معرفتهم به أعظم الناس كبرا، وأشد الخلق تيها وعجبا، لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب ذمة، يخرقون بالراوين، ويعنفون على المتعلمين، خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه، وضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه!) ثمرة العلم العمل فالعلم بلا عمل جنون! والعمل بغير علم لا يكون، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (الصف: 3-2) ولا شك أن المقت الذي يكبر عند الله هو أكبر المقت وأشد البغض لا سيما في ضمير المؤمن الذي ينادى بإيمانه ويناديه ربه الذي آمن به! روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) وقد ضرب الله مثلا لمن يحمل كتابه ثم لا يعمل بما فيه بالحمار الذي يحمل على ظهره أسفارا لا يدري ما فيها فلا حظ له منها إلا حملها على ظهره! قال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين) الجمعة: 5 فحظ هذا العالم الذي لم ينفعه علمه فلم يتدبره ولم يعمل بموجبه كحظ هذا الحمار من الكتب التي يحملها على ظهره، وهذا المثل وإن كان قد ضرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن أو العلم فترك العمل به، ولم يؤد حقه، ولم يرعه حق رعايته، كما يقول ابن القيم رحمه الله. (أعلام الموقعين 1 / 197 ) وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي وغيره: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما ذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه) وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أسامة بن زيد (يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى! فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: يافلان، مالك؟! ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول بلى! قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه!) فلو قرأ رجل العلم مائة سنة وجمع ألف كتاب فإنه لا يكون أهلا لرحمة الله إلا بالعمل، قال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، ومثاله لو كان على رجل في فلاة من الأرض عشرة أسياف ماضية مع جملة من أسلحة أخرى، ثم هاجمه أسد عظيم، فهل تدفع عنه هذه الأسلحة التي يتقلدها على عاتقه غائلة الأسد إلا باستعمالها والضرب بها؟! فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وفقهها ولم يعمل بها فإنها تكون حجة عليه وزيادة في نكاله ولا تغني عنه من الله من شيء إلا بالعمل! وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العلم الذي لا ينفع، وهو الذي ينفصل عن العمل، فلا يورث صاحبه سمتا ولا هديا، ولا يزيده عبادة ولا تقى، ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) وأمر أصحابه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: فيما يرويه ابن ماجة بسنده عن جابر رضي الله عنه (سلوا الله علما نافعا، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع)، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله عز وجل. ويقول الحسن البصري رحمه الله: (العلم علمان: علم اللسان،! فذلك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب فذلك العلم النافع! ثم قال: فالعلم النافع هو ما باشر القلب فأوقر فيه معرفة الله تعالى، وعظمته، وخشيته، وإجلاله، وتعظيمه، ومحبته، ومتى سكنت هذه الأشياء في القلب خشع فخشعت الجوارح تبعا له!)
  3. ولقد بين المعصوم صلى الله عليه وسلم أن من علامة إرادة الخير بالعبد أن يرزق الفقه في الدين، فقال صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) وعندما دعا لابن عمه عبد الله بن عباس قال: (اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل!) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (اغد عالما أو متعلما ولا تغد إمعة بين ذلك) والإمعة كما يقول ابن الأثير: الذي لا رأي له، فهو يتابع كل أحد على رأيه. ولقد أخذ على رضي الله عنه بيد كميل بن زياد النخعي وقال له: (الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق!). وقارن بين طلب العلم وطلب المال فقال: - العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال. - العلم يزكوا على العمل، والمال تنقصه النفقة. - العلم حاكم، والمال محكوم عليه. - وصنيعة المال تزول بزوالها، ومحبة العالم دين يدان بها، يكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته. - مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة! ويقول سفيان بن سعيد الثوري: "ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ونختم بما نسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا المقام". ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدي لمن استهدى أدلاء فاظفر بعلم ولا تبغي به بدلا *** فالناس موتى وأهل العلم أحياء العلم الشرعي هو المقصود بالنصوص يقول ابن حجر رحمه الله في أول شرحه لكتاب العلم من صحيح البخاري: (والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عبادته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص) فتح الباري 1 / 141. إنما الأعمال بالنيات أول ما ينبغي أن يعنى به طالب العلم النية الصالحة فلا يبتغي بطلبه للعلم مالا ولا جاها، ولا يبيع حظه من الآخرة بلعاعة من الدنيا تذهب لذتها وتبقى حسرتها! فإن من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله - لا يتعلمه إلا ليصيب عرضا من الدنيا - لم يجد عرف الجنة يوم القيامة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن في طليعة من تسعر بهم النار يوم القيامة رجلا تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، فقال له: فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم، وعلمته، وقرأت فيك القرآن، فيقال له: كذبت! ولكن تعلمت العلم ليقال عالم وقد قيل! ثم يؤمر به، فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار. وقد توعد المعصوم صلى الله عليه وسلم بالنار من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه! قال صلى الله عليه وسلم: (لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك، فالنار النار!!) ومن هنا يبدو الفارق بين علوم الآخرة التي يجب تجريد القصد فيها لله جل وعلا، وبين سائر العلوم التي إن أحسن النية فيها أثيب، وإن ذهل عن ذلك فإنه لا يؤجر ولا يؤزر! وقد أخرج الدارمي عن عبد الله بن مسعود قوله: (كيف بكم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربوا فيها الصغير ويتخذها الناس سنة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة! قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟! قال: إذا كثر قراؤكم وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة) ويقول الخطيب البغدادي في نصيحته لطلبة العلم: (وليحذر أن يجعله سبيلا إلى نيل الأعراض، وطريقا إلى أخذ الأعواض، فقد جاء الوعيد لمن ابتغى ذلك بعلمه) وقد جاء في مقدمة التمهيد للحافظ بن عبد البر: قيل للإمام مالك رحمه الله بعد أن كتب كتابه الموطأ: شغلت نفسك بهذا الكتاب، وقد شركك فيه الناس وعملوا أمثاله؟! فقال: (لتعلمن إنه لا يرتفع من هذا إلا ما أريد به وجه الله) قال الراوي: فكأنما ألقيت تلك الكتب في الآبار، وما سمع لشيء منها بعد ذلك بذكر. الأدب قبل الطلب والأدب ملكة تعصم من قامت به عما يشينه، فهو استعمال ما يحمد قولا وفعلا، وقد عرفه ابن المبارك رحمه الله بقوله: إنه معرفة النفس ورعوناتها، وتجنب تلك الرعونات، ومن فضيلته أنه ممدوح بكل لسان، ومتزين به في كل مكان، وباق ذكره على أيام الزمان، ومن شرفه أن أهله متبوعون والناس تحت راياتهم، فيعطف ربك تعالى عليهم قلوبا لا تعطفها الأرحام! وتجتمع بهم كلمة لا تأتلف بالغلبة، وتبذل دونهم مهج النفوس،وقد اهتم سلفنا الصالح بالأدب اهتماما خاصا، وحثوا ع! لى تعلمه وسلوك طريقه، وكانوا يقولون من قعد به حسبه نهض به أدبه، والعقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الأدب كالشجر المثمر، بل اعتبروه خيرا من كثير من العمل، يقول القرافي رحمه الله تعالى في الفروق: (واعلم أن قليل الأدب خير من كثير من العلم، ولذلك قال رويم لابنه: يابني: اجعل عملك ملحا، وأدبك دقيقا، - أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته إلى عملك كنسبة الدقيق إلى الملح في العجين - وكثير من الأدب مع قليل من العمل الصالح خير من العمل مع قلة الأدب) وقد قيل للشافعي رحمه الله كيف شهوتك للأدب؟ فقال: أسمع بالحرف منه، مما لم أسمعه فتود أعضائي أن لها أسماعا فتنعم به! وقيل: فكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها وليس لها غيره!
  4. أدب طلب العلم الدكتور/ صلاح الصاوي أسس طلب العلم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد فهذه رسالة في أدب طلب العلم نقدمها لأحبابنا في الله في هذه القارة، ثم إلى كل من تصل إليه من المسلمين كافة، لم نأت فيها بجديد، ولكننا جمعنا فيها جملا مفيدة مما كتبه سلفنا الصالح في هذا المقام، وقمنا بتهذيبها وترتيب مادتها، رجاء أن يعم النفع بها، وأن تسهم في تجلية صفحة مشرقة من صحائف حضارتنا الإسلامية، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. اغد عالما أو متعلما لا يخفى أن العلم الشرعي هو ميراث النبوة، وعلى قدر حظ الناس منهم يكون حظهم من وراثة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فإن طلب العلم أغلى ما أنفقت فيه أعمار البشر وأموالهم، وإن لحظة ينفقها الإنسان في عمره لا يستفيد فيها علما، ولا يقصد فيها إلى طاعة، لجدير بأن تطول عليها حسرته! ولقد بدأ الله بالعلم قبل العمل في أعلى مطلب إلهي فقال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) (محمد: 19) وقد قرن الله عز وجل اسم العلماء باسمه واسم ملائكته في الشهادة على أعظم مشهود به وهو توحيد الله عز وجل، فقال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) آل عمران: 18. يقول القرطبي رحمه الله: (وفي هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4 / 41 وقد جعل الله تعالى أهل العلم هم أهل خشيته من بين سائر عباده، فقال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر: 28، فكل مسلم يخشى الله لكن الخشية متفاوتة، وأكمل الناس خشية لله هم العلماء بالله والعلماء بدينه، فكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له الخشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه! وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد من العلم فقال تعالى: (وقل رب زدني علما) (طه:114) ولو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله نبيه أن يسأله المزيد منه كما أمره أن يستزيده من العلم. وفي بيان أهمية طلب العلم وعلو رتبة أهله يقول المعصوم صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر!)
  5. الفصـل الثالث : ولا بأس أن نزيد هنا كلمة في الاستغاثة والاستعانة ،والكل من واد واحد ففي حديث الشفاعة عند البخاري " بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه و سلم" وهذا يدل على جواز إستعمال الإستغاثة في صدد التوسل . وأما حديث " لا يستغاث بي " عند الطبراني ، ففي سنده لهيعة وقد شرحنا حاله في ( الاشفاق ) فلا يناهض الحديث الصحيح. وأما حديث " وإذا استعنت فاستعن بالله" فمعناه : عند استعانتك بأي مستعان فاستعن بالله – على لين في طرقها كلها – حملاً على الحقيقة فالمسلم لا ينسى مسبب الأسباب عندما يستعين بسبب من الأسباب وها هو عمر رضي الله عنه حينما أستسقى بالعباس رضي الله عنه لم ينس أن يقول آن الاستسقاء ((اللهم فاسقنا))..وهذا هو الأدب الإسلامي . ولو لم نحمل الحديث على هذا المعنى لتكلفنا المجاز ، ولعارضته عدة آيات وأحاديث في سردها طول. على أن لفظ "إذا" في الحديث بعيد عن إفادة معنى "كلما" بل هو من صيغ الإهمال عند المناطقة ، فلا يكون للخصم مجال أن يتمسك به أصلا. وزد على ذلك إفراد الضمير, والخاصة – ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما – يحسن بهم أن تكون استعانتهم بمسبب الأسباب . وأما قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ففي العبادة والهداية بقرينة السباق والسياق كما هو الجدير بحال المناجاة ، فلا يكون فيه تعطيل الأسباب العادية الدنيوية وقد أحسن صديقنا العلامة المحض صاحب المؤلفات الممتعة الأستاذ الكبير الشيخ محمد حسنين العدوي المالكي حيث ألف عدة كتب في دفع شبه يصطنعها التيميون حول التوسل فأزاح ظلما تهم ببيانه العذب وتحقيقه الرئع ، ومقامة في العلم فوق منازل شيوخ مشايخ هؤلاء بدرجات اتفاقاً بين أهل العلم . وأما سماع أصحاب القبور وإدراكهم فمن أوسع من سرد أدله ذلك المحدث عبد الحي اللكنوي في ( تذكرة الراشد) وأما قوله تعالى : ( وما أنت بمسمع من في القبور ) ففي حق المشركين عند المحققين . وهناك تحقيق ذلك فلا تلتفت إلى مغالطات المغالطين الخاتمــة : وبتلك الأحاديث والآثار يظهر أن من ينكر التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين أحياء وأمواتاً ليس عنده أدنى حجة ، وإن رمي المسلمين بالإشراك بسبب التوسل ما هو إلا تهور يرجع ضرره إلى الرامي ، نسأل الله العافية . وأما إن كان بين العامة من يخطئ في مراعاة أدب الزيارة والتوسل فمن واجب أهل العلم إرشادهم إلى الصواب برفق. وقد جرى عمل الأمة على التوسل والزيارة إلى أن أبتدع إنكار ذلك الحراني ، فرد أهل العلم كيده في نحره ، ودامت فتنته عند جاهلي بلاياه . وقد غلط الآلوسي وابنه المتصرف في تفسيره بعض غلط ترده عليهما تلك الأدلة ، وكانا مضطر بين في مسائل من عدوى جيرانهما ، وبعض شيوخهما ، وليس هذا بموضع بسط لذكر ذلك. ومن أراد ان يعرف عمل الأمة في التوسل بخير الخلق فليراجع ( مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام) للإمام القدوة أبي عبدالله النعمان بن محمد موسى التلمساني المالكي المتوفي سنة 683، وهو من محفوظات الدار المصرية وفي ذلك كفاية لغير المتعنتين ، ومن الله الهداية والتوفيق.
  6. عطيه هو العوفي ، وفضيل بن مرزوق ، والفضل بن الموفق ،( هو ابن خال ابن عيينة ، قال أبو حاتم صالح ضعيف الحديث ولم يضعفه سواه وجرحه غير مفسر بل وثقه اليسني ) كلهم ضعفاء ,لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضيل بن مرزوق ، فهو صحيح عنده . وذكر رزين ، ورواه أحمد بن منيع في ( مسنده ) ثنا يزيد ، ثنا فضيل بن مرزوق ، فذكره بإسناده ومتنه وقال علاء الدين مفلطاي في ( الأعلام شرح سنن ابن ماجه ) ذكر أبو نعيم الفضل " وهو ابن دكين " في كتاب " الصلاة " عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري موقوفاً اهـ . ولم ينفرد عطية عن الخدري ، بل تابعه أبو الصديق عنه في رواية عبد الحكم بن ذكوان . وهو ثقة عند ابن حبان ، وإن أعله أبو الفرج في ( علله ) . وأخرج ابن اليسني في ( علم اليوم والليلة ) بسند فيه الوازع ،عن بلال ، وليس فيه عطيه ولا مرزوق ولا ابن الموفق " اللهم بحق السائلين عليك " تظهرانه لم ينفرد عطية ، ولا ابن مرزوق ،ولا ابن الموفق ,بالنظر إلى هذه الطرق على فرض ضعف الثلاثة .مع أن يزيد بن هارون شيخ أحمد بن منيع شارك ابن الموفق في روايته ، عن ابن مرزوق وكذا الفضل بن دكين وابن فضيل وسليمان بن حبان وغيرهم . وعطية جرح بالتشيع لكن حسن له الترمذي عدة أحاديث ، وعن ابن معين أنه صالح ، وعن ابن سعد : ثقة إن شاء الله ، وعن ابن عدي : له أحاديث صالحه .وبعد التصريح بالخدري لا يبقى إحتمال التدليس ، ولا سيما مع المتابعة وابن مرزوق ترجح توثيقه عند مسلم فروى عنه في " صحيحه " . على أن الحديث مروي بطريق بلال ، رضي الله عنه فلا تنزل درجة الحديث مهما نزلت عن درجة الاحتجاج به ، بل يدور أمره بين الصحة والحسن لكثرة المتابعات الشواهد كما أشرنا إليها . وقول من يقول : إن الجرح مقدم على التعديل على ضعفه فيما إذا تعارضا بتكافئهما في الميزان ، دون إثبات ذلك مفاوز فلا يتمكن المبتدعة من اتخاذ ذلك تكأة لرد الأحاديث الثابتة برجال وثقهم أهل الشأن بترجح ذلك عندهم . وقدحسن هذا الحديث الحافظان : العراقي في " تخريج أحاديث الإحياء " وابن حجر في " أمالي " الأذكار " وفي الحديث التوسل بعامة المسلمين وخاصتهم، وإدخال الباء في أحد مفعولي السؤال إنما هو في السؤال الإستعلامي كقوله تعالى " فسئل به خبيراً " و " وسأل سائل بعذاب واقع " وأما السؤال الإستعطائي فلا تدخل الباء فيه أصلاً إلا على المتوسل به فدونك الأدعية المأثورة فتصوّر إدخالها هنا في المفعول الثاني إخراج للكلام عن سننه بهوى ، وصيحة باطل تمجها الأسماع . وليس معنى الحق الإجابة ، بل ما يستحقه السائلون المتضرعون فضلاً من الله سبحانه . فيكون عد " بحق السائلين " سؤالاً لهذا الداعي هذياناً محضاً ، ولا سيما عند ملاحظة ما عطف عليه في الحديث ، وأما زعم أنه ليس في سياق الحديث ما يصلح أن يكون سؤالاً غير ذلك فمما يثير الضحك الشديد والهزء المديد ، فأين ذهب من هذا الزاعم " أن تعيذني من النار" وكم يكرر الفعل للتوكيد : فالسؤال في الفعل الأخر هو السؤال في الفعلين المتقدمين ، بل لو لم تكن تلك الأفعال من باب التوكيد لدخلت في باب التنازع ، فيكون هذا القيد معتبراً في الجميع على كل تقدير وأما من يحاول رد التوسل بتصور دخوله في الحلف بغير الله ، فإنما حاول الرد على المصطفى صلوات الله عليه لأنه هو الذي علم صيغ التوسل ، وفيها التوسل بالأشخاص ، وأين التوسل من الحلف ؟
  7. وأتحدث الآن بإذن الله تعالى عن الأحاديث ، والآثار المروية في هذا الباب تفصيلاً لما أجملناه ، هناك بعد الإشارة إلى الآيات في ذلك . فأقول سبق أن تلونا قوله تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) احتجاجاً به على أن التوسل بالذوات والأعمال مطلوب شرعاً ، لشمول إبتغاء الوسيلة لهذا وذاك ، لا بمجرد الرأي فقط ، ولا بالعموم اللغوي فحسب ، بل بما رواه ابن عبد البر في( الاستيعاب ) عن عمر رضى الله عنه أنه قال بعد أن استسقى بالعباس رضي الله عنه وسقوا " هذا – والله – الوسيلة إلى الله عز وجل والمكان منه " وزد على ذلك قول عمر أيضاً في ( أنساب الزبير بن بكار ) على ما في فتح الباري : " واتخذوه – يعني العباس – وسيلة إلى الله " ولا يتصور أن يكون هذا بمعنى : اطلبوا الدعاء منه لأن عمر طلب منه الدعاء ، وتقدم هو للدعاء ، وبعد طلب أمير المؤمنين منه وتقدمه للدعاء إجابة لطلب عمر لا يكون قول عمر هذا إلا بمعنى : " توسلوا به إلى الله " كما فعل عمر نفسه ، لكن الهوى يعمي ويعم . وفي فتح الباري ( 2- 337) وليس في قول عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقي لهم إذ يحتمل أن يكونوا في الحالتين طلبوا السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه و سلم. وقال ابن رشد أراد بالترجمة ( باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء ) الاستدلال بالطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال اهـ . وكلام الحافظين يقضي على وهم من يهم قائلاً أن التوسل به r هو طلب الدعاء منه ، وأين التوسل من الدعاء ؟ نعم قد يدعوا المتوسل به للمتوسل ، ولكن ليس هذا مدلولاً لغوياً ولا شرعياً للتوسل ، ويستأنس في التوسل به r بما ذكره البغوي وغيره من أهل التفسير بالرواية في قوله تعالى : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به ) من أن اليهود كانوا إذا حزبهم أمر وداهمهم عدو يقولون : " اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في أخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون " واستقصاء الروايات في ذلك في " الدر المنثور " . وتخصيص قوله تعالى : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) . بما قبل الموت تخصيص بدون حجة عن هوى وترك المطلق على إطلاقة مما اتفق عليه أهل الحق ، والتقييد لا يكون إلا بحجة,ولا حجة هنا تقيد الآية ، بل فقهاء المذاهب حتى الحنابلة على شمول الآية لما بعد الموت والأنبياء أحياء في قبورهم " . وقد ذكرنا صيغة التوسل به صلى الله عليه و سلم عند الحنابلة وقت زيارة قبره نقلاً عن كتاب ( التذكرة ) لأبي الوفاء بن عقيل من قدماء الحنابلة في أواخر تكملتنا للرد على نونية ابن القيم ، وفيها التوسل ، وتلاوة تلك الآية وليس خبر العتبي مما يرد بجرة قلم . ولنعد إلى الكلام في بعض الأحاديث والأثار الواردة في التوسل تفصيلاً لما أجملناه فيما سبق . أولا: فمنها ما أخرجه البخاري في ( الاستسقاء ) حيث قال في صحيحه ، حدثني الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد الأنصاري قال : حدثني أبي عبد الله بن المثنى ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس, عن انس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقوا بالعباس بن عبد المطلب فقال : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون) وفيه التوسل بالذات وادعاء أن هناك مضافاً محذوف، أي بدعاء عم نبينا تقوّل محض بدون أي حجة ، كما أن فرض العدول – لوفاة النبي صلى الله عليه و سلم- إلى العباس تقويل لعمر ما لم يخطر له على بال,بل فيه جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ، بل التوسل بلفظ " عم نبينا " توسل بقرابة العباس منه عليه الصلاة والسلام وبمنزلته لديه ، فيكون هذا التوسل توسلاً به صلى الله عليه و سلم وأيضاً ولفظ "كنا " غير خاص بعهد النبي صلى الله عليه و سلم بل يشمله وما بعده إلى عام الرمادة ، والتقييد تقييد بدون مقيّد . وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتمثل بشعر أبي طالب : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه . كما في البخاري بل وروى استنشاد الرسول rذلك الشعر كما في فتح الباري . وفي شعر حسان رضى الله عنه : فسقى الغمام بغرة العباس . كما في الاستيعاب وفي كل ذلك طلب السقيا من الله بذات العباس وجاهه عند الله تعالى. ثانيا: ومنها ما أخرجه البيهقي ، وبطريقه أخرجه التقي السبكي في " شفاء السقام " وغيره ، من حديث مالك الدار في استسقاء بلال بن الحارث المزني رضى الله عنه في عهد عمر بالنبي صلى الله عليه و سلم ومالك الدار بالإضافة هو مالك بن عياض مولى عمر ، وكان خازنه ، وقد ولاه وكلة عيال عمر ثم ولاه عثمان رضى الله عنه القسم فسمي مالك الدار كما في طبقات ابن سعد والإصابة . وفي " معارف " ابن قتيبة : ومن موالي عمر بن الخطاب مالك الدار ، وكان عمر ولاه داراً وكان يقسم بين الناس فيها شيئاً اهـ . ونص الحديث "أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب رضى عنه ، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقال : " ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون " الحديث . ومحل الاستشهاد وطلب الاستسقاء منه صلى الله عليه و سلم في البرزخ ، ودعاؤه لربه ، وعلمه بسؤال من يسأل لمن ينكر صنيعه هذا أحد من الصحابة .وقد أخرج هذا الحديث البخاري في تاريخه بطريق ابي صالح ذكوان مختصراً . وأخرجه ابن أبي خيثمة من هذا الوجه مطولاً ، كما في الإصابة وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، كما نص عليه ابن حجر ، في الفتح / 2 – 338 / من رواية أبي صالح السمان ، عن مالك الدار – والداري باليا سهو من الطابع – ابن حجر : أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة ، كما روى سيف في الفتوح . ا هـ . وهذا نص على عمل الصحابة في الاستسقاء به صلى الله عليه و سلم بعد وفاته حيث لم ينكر عليه أحد منهم مع بلوغ الخبر إليهم ، وما يرفع إلى أمير المؤمنين يذيع ويشيع . فهذا يقطع ألسنة المتقولين . ثالثا: ومنها حديث عثمان بن حنيف رضى الله عنه في دعاء عن النبي صلى الله عليه و سلم وفيه " اللهم إني اسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي " الحديث . وفيه التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم وبجاهه ، ونداء له في غيبته . وهذا أيضاً مما يقطع ألسنة المتقولين . وهذا الحديث أخرجه البخاري في تاريخه الكبير والترمذي في أواخر الدعوات من " جامعه " وابن ماجه في " صلاة الحاجة من سننه " وفيه نص على صحته . والنسائي في " عمل اليوم والليلة " وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " والبيهقي في " دلائل النبوة " وغيرهم على اختلاف يسير في غير موضع الاستشهاد ، وصححه جماعة من الحفاظ يقارب عددهم خمسة عشر حافظاً . فمنهم سوى المتأخرين : الترمذي وابن حبان ، والحاكم والطبراني ، وأبو نعيم ، والبيهقي والمنذري, وسند الترمذي :حدثنا محمود بن غيلان نا عثمان بن عمر ، نا شعبة ، عن أبي جعفر عن عمارة – بالضم – ابن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف ، ثم ساق الحديث ، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر – وهو الخطمي " . وفي بعض النسخ المطبوعة " وهو غير الخطمي " وفي بعضها " وليس هو الخطمي " . وهذا وذاك من تصرفات الناسخين ، وليس من عادة الترمذي أن يقول هو غير فلان ، ويتركه من غير بيان . على أن ابا جعفر الراوي عن عمارة بين شيوخ شعبه إنما هو عمير بن يزيد الخطمي المدني الأصل ثم البصري ، كما يظهر من كتاب الرجال المعروفة من مطبوع ومخطوط . وأبو جعفر الرازي المتوفي 160 من شيوخ شعبه لم يدرك عمارة المتوفي 105 اصلاً ، لأن رحلته إلى الحجاز بعد وفاة عمارة بنحو تسع سنين ، وشعبة شعبة في التثبيت فيما يروي . على أن طرقاً أخرى للحديث عند الطبراني وغيره تنص في صلب السند على أنه الخطمي الثقة باتفاق ، وسند الطبراني في الحديث مسوق في " شفاء السقام " للتقي السبكي . ورجال سند الترمذي كلهم ثقات ، وإنما سماه غريباً لانفراد عثمان بن عمر ، عن شعبة ، وانفراد أبي جعفر عن عمارة ، وهما ثقتان باتفاق ، وكم من حديث صحيح ينفرد به أحد الرواة كحديث " إنما الأعمال بالنيات " وسماه حسناًَ لتعدد طرقه بعد أبي جعفر ، وعثمان بن عمر . وتسميته صحيحاً باعتبار تكامل أوصاف الصحة في رواته . رابعا: ومنها حديث عثمان بن حنيف ايضاً في تعليم دعاء صلاة الحاجة المذكور لرجل كانت له حاجة عند عثمان بن عفان رضى الله عنه فدعا به فقضيت حاجته . وموضع الاستشهاد أن الصحابي المذكور فهم من حديث دعاء الحاجة أنه لا يختص بزمنه صلى الله عليه و سلم وهذا توسل به ، ونداء بعد وفاته صلى الله عليه و سلم وعمل متوارث بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقد أخرج هذا الحديث الطبراني في الكبير وصححه بعد سوقه من طرق ، كما ذكره أبو الحسن الهيثمي في " مجمع الزوائد " وأقره عليه ، كما أقر المنذري قبله في " الترغيب والترهيب " وقبله أبو الحسن المقدسي ، وأخرجه أيضاً ابو نعيم في " المعرفة " والبيهقي من طريقين ، وإسنادهما صحيح أيضاً . خامسا: ومنها حديث فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ، وفيه من لفظ رسول الله صلى الله عليه و سلم " بحق نبيك والأنبياء من قبلي " وصححه ابن حبان والحاكم ، وأخرجه الطبراني في الكبير ، والأوسط بسند فيه روح بن صلاح وثقه ابن حبا ن ، والحاكم ، وبقية رجاله رجال الصحيح ، كما قال الهيثمي في " المجمع " . وفيه توسل بذوات الأنبياء الذين انتقلوا إلى دار الآخرة . سادسا: ومنها حديث عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم " لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد ألا غفرت لي " أخرجه الحاكم في المستدرك ، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ، وهو أول حديث ذكرته . لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . اهـ وساق سنده التقى السبكي في ( شفاء السقام ) وأخرجه الطبراني في الأوسط والصغير ، وفي سندهما بعض من لا يعرفه الهيثمي . واما عبد الرحمن بن زيد فقد ضعفه مالك ، وتبعه أخرون ، إلا أنه لم يتهم بالكذب بل بالوهم . ومثله ينتقى بعض أحاديثه . وهذا هو الذي فعله الحاكم حيث رأى ان الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال لأبي جعفر المنصور : "..... وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام " . وبعد أن أقر الإمام مالك رضي الله عنه بصحة الخبر واحتج به زالت تهمة الوهم وقلة الضبط عن عبد الرحمن الذي إنما يقتدي من رماه بذلك بمالك ، وعبد الرحمن بن زيد ليس ممن يرد خبره مطلقاً . وهذا هو الإمام الشافعي يستدل في دين الله ببعض احاديثه في " الأم " وفي " مسنده " فلا لوم على الحاكم في عده هذا الحديث صحيحاً ، بل هو الصحيح ، إلا عند من يضيق صدره عند سماع فضائل المصطفى r وأما قول مالك لأبي جعفر المذكور فهو ما أخرجه القاضي عياض في " الشفاء بتعريف حقوق المصطفى " بسند جيد وابن حميد في السند هو محمد بن حميد الرازي في الراجح، على خلاف ما ظنه التقي السكبي لكن الرازي هذا ليس حاله كما يريد ان يصوره الشمس بن عبد الهادي حيث حشر قول جميع من تكلم فيه وأهمل كلام من أثنى عليه ، وهو أحد الثلاثة الذين اتصلوا بإبن تيمية ، وهم شباب ، فانخدعوا به ، وزاغوا, يذكر الجرح ويغفل عن التعديل في الأدلة التي تساق ضد شذوذ شيخه . ومحمد بن حميد هذا روى عن ابو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد بن حنبل ، ويحى بن معين . قال ابن ابي خيثمة : سئل عن أبي معين فقال : ثقة لا بأس به رازي كيّس ، وقال أحمد : لا يزال بالرد علم مادام محمد بن حميد ، وممن أثنى عليه الصاغاني والذهلي . وقال الخليلي في " الإرشاد " كان حافظاً عالماً بهذا الشأن رضيه أحمد ويحي وقال البخاري : فيه نظر ، وليس مثله يتهم في هذا الخبر ، وقد مات سنة 248 عن سن عالية وكان عمره عند وفاة مالك لا يقل عن نحو خمس عشر سنة ، وهم يقبلون رواية ابن خمس في مسند إمامهم ويعقوب بن اسحاق ، لابأس به كما ذكره الخطيب في تاريخه . وأبو الحسن عبد الله بن محمد بن المنتاب ، من أجلّ أصحاب إسماعيل القاضي ، ولاه المقتدر قضاء المدينة المنورة حوالي سنة ثلاثمائة ولم يكن غير الثقات الأفذاذ من أهل العلم ليولّى قضاء المدينة المنورة في ذلك العهد . واسم المنتاب يهم فيه كثير ، وصاحبه محمد بن احمد بن الفرج وثقه السمعاني في " الأنساب " عند ذكر الجزائري ، وأقره ابن الأثير في " اللباب " وأبو الحسن الفهري من الثقات الأثبات مترجم في " العبر " للذهبي . وابن دلهات من ثقاة شيوخ ابن عبد البر مترجم في " صلة " ابن بشكوال ، وهي مطبوعة بمدريد . وابن عبد الهادي يابى قبول هذا الخبر ، لأنه يمس شذوذ شيخه ليس إلا ، أراد ابن المنتاب بسوق هذا الخبر الرد على ما في " مبسوط " شيخه إسماعيل القاضي المالكي المخالف لما رواه ابن وهب ، عن مالك ، وإسماعيل من أهل العراق ، وأهل مصر والمدينة المنورة أعلم بمسائل مالك منهم . على أن إسماعيل لم يسند ما ذكره إلى مالك بل ارسله إرسالاً ، لكنه حيث يوافق هوى إبن عبد الهادي يقبله بدون سؤال عن سنده بخلاف ما هنا ويطريه إطراء يغنيه عن ذكر السند في نظره ، فكأنه لم ير قول داود الأصفهاني فيه ، ولله في خلقه شؤون ، على أنه قد وردت أخبار اخرى في توسل ادم يعضد بعضها بعضاً ، استغنينا عن ذكرها ، اكتفاء بما سطرناه ، لأن الأحاديث السابقة فيها كفاية لغير المتعنت . 7- ومنها حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه في سنن ابن ماجه في " باب المشي إلى الصلاة ": " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك " الحديث .قال الشهاب البوصيري في " مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه " هذا إسناد مسلسل بالضعفاء .
  8. وأيضاً سمعت أن الفردوسي الشاعر لمّاصنف كتابة المسمى " بشاهنامه " على اسم السلطان محمود بن سبكتكين ولم يقض حقه كما يجب ، وما راعاه كما يليق بذلك الكتاب ، ضاق قلب الفردوسي ، فرأي في المنام " رستم " فقال له : قد مدحتني في هذا الكتاب ، كثيراً وأنا في زمرة الأموات فلا أقدر على قضاء حقك ، ولكن إذهب إلى الموضع الفلاني واحفره فإنك تجد فيه دفيناً فخذه. فكان الفردوسي يقول : أن رستم بعد موته أكثر كرماً من محمود حال حياته . وقال أيضاً في الفصل الثامن عشر من تلك المقالة – والفصل الثامن عشر في بيان كيفية الإنتفاع بزيارة الموتى والقبور - : " ثم قال سألني بعض أكابر الملوك عن المسألة ، وهو الملك محمد بن سالم بن الحسين الغوري – وكان رجلاً حسن السيرة مرضي الطريقة ، شديد الميل إلى العلماء ، قوي الرغبة في مجالسة أهل الدين والعقل – فكتبت فيها رسالة وأنا أذكر هنا ملخص ذلك فأقول للكلام فيه مقدمات . المقدمة الأولى : أنّا قد دللنا على أن النفوس البشرية باقية بعد موت الأبدان ، وتلك النفوس التي فارقت أبدانها أقوى من هذه النفوس المتعلقة بالأبدان من بعض الوجوه . أما أن النفوس المفارقة أقوى من هذه النفوس من بعض الوجوه ، فهو أن تلك النفوس لما فارقت أبدانها فقد زال الغطاء ، وانكشف لها عالم الغيب ، وأسرار منازل الأخرة ، وصارت العلوم التي كانت برهانية عند التعلق بالأبدان ضرورية بعد مفارقة الأبدان ، لأن النفوس في الأبدان كانت في عناء وغطاء ، ولمّا زال البدن أشرفت تلك النفوس وتجلت وتلألأت ، فحصل للنفوس المفارقة عن الأبدان بهذا الطريق نوع من الكمال . وأما أن النفوس المتعلقة بالأبدان أقوى من تلك النفوس المفارقة من وجه أخر فلأن آلات الكسب والطلب باقية لهذه النفوس بواسطة الأفكار المتلاحقة ، والأنظار المتتالية تستفيد كل يوم علماً جديداً ، وهذه الحالة غير حاصلة للنفوس المفارقة . والمقدمة الثانية أن تعلق النفوس بأبدانها تعلق يشبه العشق الشديد ، والحب التام ، ، ولهذا السبب كان كل شيء تطلب تحصيله في الدنيا فإنما تطلبه لتتوصل به إلى إيصال الخير والراحة إلى هذا البدن . فإذا مات الإنسان وفارقت النفس هذا البدن ، فذلك الميل يبقى ، وذلك العشق لا يزول وتبقى تلك النفوس عظيمة الميل إلى ذلك البدن,عظيمة الإنجذاب ، على هذا المذهب الذي نصرناه من أن النفوس الناطقة مدركة للجزئيات ، وأنها تبقى موصوفة بهذا الإدراك بعد موتها ، إذا عرفت هذه المقدمات فنقول : إن الإنسان إذا ذهب إلى قبر إنسان قوي النفس ، كامل الجوهر شديد التأثير ، ووقف هناك ساعة ، وتأثرت نفسه من تلك التربة – وقد عرفت أن لنفس ذلك الميت تعلقاً بتلك التربة أيضاً- فحينئذ يحصل لهذا الزائر الحي ، ولنفس ذلك الميت ملاقاة بسبب إجتماعهما على تلك التربة ، فصارت هاتان النفسان شبيهتين بمرآتين صقيلتين وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من كل واحدة منهما إلى أخرى . فكل ما حصل في نفس هذا الزائر الحي من المعارف البرهانية ،والعلوم الكسبية ، والأخلاق الفاضلة من الخضوع له ، والرضا بقضاء الله ينعكس منه نور إلى روح ذلك الميت ، وكل ما حصل ذلك الإنسان الميت من العلوم المشرقة الكاملة فإنه ينعكس منه نور إلى روح هذا الزائر الحي. وبهذا الطريق تكون تلك الزيارة سبباً لحصول المنفعة الكبرى ، والبهجة العظمى لروح الزائر ، ولروح المزور ، وهذا هو السبب الأصلى في شرع الزيارة ، ولا يبعد أن تحصل فيها أسرار أخرى أدق وأغمض مما ذكرنا . وتمام العلم بحقائق الأشياء ليس إلا عند الله اهـ . و ها أنت رأيت ما يراه الإمام فخر الدين الرازي في الزيارة من الأخذ والعطاء ، والإستفاضة والإفاضة على نسبة منزلتي المزور والزائر . وقال العلامة المحقق السعد التفتازاني في " شرح المقاصد " وهو من أمهات كتب أصول الدين – في الصفحة 32 من الجزء الثاني منه في الردة على الفلاسفة لماكان إدراك الجزئيات مشروطاً عند الفلاسفة بحصول الصورة في الآلات ، فعند مفارقة النفس وبطلان الآلات لا تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء الشروط بانتفاء الشرط . وعندنا لما لم تكن الآلات شرطاً في إدراك الجزئيات ، إما أنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحس, وإما لأنه لا يتمنع ارتسام صورة الجزئي في النفس بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات جزئية ، وإطلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء ، سيما الذين بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولذا ينتفع بزيارة القبور, والإستعانة بنفوس الأخيار من الأموات في إستنزال الخيرات وإستدفاع الملمات ، فإن للنفس بعد المفارقة تعلقاً ما بالبدن وبالتربة التي دفن فيها . فإذا زار الحي تلك التربة ، توجهت نفسه تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين ملاقات وإفاضات . ا هـ . هذا هو تحقيق هذا الإمام الجليل في المسألة ، فهذا أيضاً ممن لا يميز بين التوحيد والإشراك ؟ قف لرأس يتخيل ذلك ! . وقال التفتازاني أيضاًَ في الصفحة ( 150 ) من الجزء المذكور : وبالجملة ظهور كرامات الأولياء يكاد يلحق بظهور معجزات الأنبياء ، وإنكارها ليس بعجب من أهل البدع والأهواء إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم قط ولم يسمعوا به من رؤسائهم الذين يزعمون انهم على شئ مع إجتهادهم في أمور العبادات واجتناب السيئات فوقعوا في أولياء الله تعالى أصحاب الكرامات ، يمزقون أديمهم ويمضغون لحومهم ، لا يسمّونهم إلا باسم الجهلة المتصوفة, ولا يعدونهم إلا عداد آحاد المبتدعة قاعدين تحت المثل السائر ( أو سعتهم سبا وأودوا بالإبل ) ولم يعرفوا أن مبنى هذا الأمرعلى صفاء القصيدة ونقاء السريرة ، واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة . اهـ وهذا هو قول هذا الإمام الجليل في أولياء الله أصحاب الكرامات مع انه لا صلة له بالتصوف ، وفي تلك عبرة لمن تعود أن يلغ في دماء أصفياء الأمة . وقال العلامة السيد الشريف الجرجاني في أوائل حاشية على (المطالع ) عند بيان الشارح وجه الصلاة على النبي وآله عليه وعليهم الصلاة والسلام في أوائل الكتب ، ووجه الحاجة إلى التوسل بهم في الاستفاضة : " فإن قيل هذا التوسل إنما يتصور إذا كانوا متعلقين بالأبدان ، وأما إذا تجردوا عنها فلا ، إذ لا وجهة مقتضية للمناسبة . قلنا يكفيه أنهم كانوا متعلقين بها متوجهين إلى تكميل النفوس الناقصة بهمة عالية ، فإن أثر ذلك باق فيهم، وكذلك كانت زيارة مراقدهم معدة لفيضان أنوار كثيرة منهم على الزائرين كما يشاهده ، أصحاب البصائر " ا هـ . فتطابق الكتاب والسنة ، وعمل الأمة المتوارثة ، وكلام أئمة أصول الدين في المسألة كما رأيت ومن عاند بعد ذلك فهو زائغ عن السبيل .
  9. محق التقوّل في مسألة التوسل للإمام العلامة الفقيه محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : الحمد لله وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه اجمعين اما بعد : فإنا نرى طائفة من الحشوية يحاولون إكفار الأمة جمعاء بين حين وآخر بسبب أنهم يزورون القبور ويتوسلون الله تعالى بالأخيار . فكأنهم بذلك اصبحوا عباد الأوثان فحاشاهم من ذلك . فأحببت ذكر آراء أئمة أصول الدين في مسألة التوسل لأنهم اصحاب الشأن في تبيين وجود الفرق بين التوحيد والإشراك وعبادة الأوثان ، مع سرد مافي الكتاب والسنة من وجوه الدلالة على ذلك عند اهل العلم ردا للحق الى نصابه ، وردعاً للجهل واصحابه ، والله سبحانه ولي التسديد والتوفيق الفصل الأول : فأقول مستعيناً بالله جل جلاله : إني أرى أن أتحدث هنا عن مسألة التوسل التي هي وسيلة دعاتهم إلى رميهم الأمة المحمدية بالإشراك وكنت لا أحب طرق هذا البحث لكثرة ما اثاروا حوله من جدل عقيم مع ظهور الحجة واستبانة المحجة وليس قصد أول من أثار هذه الفتنة سوى استباحة أموال المسلمين ليؤسس حكمه بأموالهم على دمائهم باسم أنهم مشركون وأنّى يكون للحشوية صدق الدعوة إلى التوحيد ! وهم في إنكارهم التوسل محجوجون بالكتاب ، والسنة والعمل المتوارث والمعقول . أما الكتاب فمنه قوله تعالى ( وابتغوا إليه الوسيلة ) بعمومها تشمل التوسل بالأشخاص ، والتوسل بالأعمال بل المتبادر من التوسل في الشرع هو هذا وذاك ، رغم تقول كل مفتر أفاك والفرق بين الحي والميت في ذلك لا يصدر إلا عمن ينطوي على اعتقاد فناء الأرواح ، المؤدي الى إنكار البعث وعلى ادعاء انتفاء الإدراكات الجزئية من النفس بعد مفارقتها البدن ، المستلزم لإنكار الأدلة الشرعية في ذلك . أما شمول الوسيلة في الآية المذكورة للتوسل بالأشخاص فليس برأي مجرد ، ولا هو بمأخوذ من العموم اللغوى فحسب ، بل هو المأثور عن عمر الفاروق رضي الله عنه حيث قال بعد أن توسل بالعباس رضي الله عنه في الاستسقاء(هذا ولله الوسيلة الى الله عز جل ) كما في الاستيعاب لابن عبد البر . واما السنة فمنها حديث عثمان بن حنيف – بالتصغير – رضي الله عنه وفيه : " يا محمد إني توجهت بك إلى ربي " وهكذا علّم الرسول صلى الله عليه و سلم الضرير الدعاء ، وفيه التوسل بالشخص وصرفه عن ظاهره تحريف للكلم عن مواضعه بهوى . وأما كون استجابة دعاء الضرير بدعاء الرسول صلوات الله عليه – وهو غير مذكور في الرواية – أوبدعاء الضرير ، فلا شأن لنا بذلك ، بل الحجة هي نص الدعاء المأثور عن الرسول عليه الصلاة والسلام . وقد نص على صحة هذا الحديث جماعة من الحفاظ كما سيأتي وقد ورد أيضاً في حديث فاطمة بنت أسد رضي الله عنها " بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي". ورجال هذا الحديث ثقات سوى روح بن صلاح . وعنه يقول الحاكم : ثقة مأمون وذكره ابن حبان في الثقات. وهو نص على أنه لا فرق بين الأحياء والأموات في باب التوسل وهذا توسل بجاه الأنبياء صريح . وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ". وهذا توسل بالمسلمين عامة أحياء وأمواتا . وابن الموفق في سنده لم ينفرد عن مرزوق وابن مرزوق من رجال مسلم وعطية حسّن له الترمذي عدة احاديث ، كما سيأتي . وعلى التوسل بالأنبياء والصالحين أحياء وأمواتا جرت الأمة طبقة فطبقة. وقول عمر رضي الله عنه في الإستسقاء : " إنا نتوسل إليك بعم نبينا " نص في توسل الصحابة بالصحابة ، وفيه إنشاء التوسل بشخص العباس رضي الله عنه . وليس في هذه الجملة فائدة الخبر ، لأن الله تعالى يعلم أيضاً علم المتوسلين بتوسلهم ، فتمحضت الجملة لإنشاء التوسل بالشخص . وقوله ( كنا نتوسل ) فيه أيضاً ما في الجملة الأولى ، وعلى أن قول الصحابي : كنا نفعل كذا ينصب على ما قبل القول فيكون المعنى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتوسلون به صلى الله عليه و سلم في حياته ، وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى إلى عام الرمادة . وقصر ذلك على ما قبل وفاته عليه السلام تقصير عن هوى وتحريف لنص الحديث ، وتأويل بدون دليل. ومن حاول إنكار جواز التوسل بالأنبياء بعد موتهم بعدول عمر إلى العباس في الإستسقاء قد حاول المحال ، ونسب إلى عمر ما لم يخطر له على بال ، فضلاً عن أن ينطق به ، فلا يكون هذا إلا محاولة إبطال السنة الصريحة بالرأي . وفعل عمر إنما يدل على أن التوسل بقرابة الرسول r الأحياء جائز كجوازه بالنبي عليه الصلاة والسلام ليس غير ، بل في استعياب ابن عبد البر بيان سبب استسقاء عمر بالعباس حيث يقول فيه ( إن الأرض أجدبت إجداباً شديداً على عهد عمر زمن الرمادة وذلك سنة سبع عشرة فقال كعب يا أمير المؤمنين : إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا إستقوا بعصبة الأنبياء ، فقال عمر : هذا عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وصنو أبيه وسيد بني هاشم فمشي إليه عمر , وشكا إليه ) . فهل استبان أن استسقاء عمر بالعباس لم يكن من جهة أن الرسول ميت لا يسمع نداء ، ولا جاه له عند الله تعالى : حاش لله ، ما هذا إلا إفك مفترى . وحديث مالك الدار في مجيء بلال بن الحارث الصحابي إلى قبر النبي صلى الله عليه و سلم أيام القحط في عهد عمر ، وقوله ( يا رسول الله استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقال : " ائت عمر فاقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون) نص في توسل الصحابة به عليه السلام بعد وفاته من غير نكير . والحديث مما أخرج ابن أبي شيبه بسند صحيح ، كما في " فتح الباري " وهذا قامع لمن لا يجيز التوسل به صلوات الله عليه بعد لحوقه بالرفيق الأعلى وكذلك حديث عثمان بن حنيف في تعليمه دعاء الحاجة السابق ذكره لمن كان له حاجة عند عثمان بن عفان رضي الله عنه وفيه التوسل بالنبي r بعد وفاته ، من غير أن ينكر عليه أحد. والحديث صححه الطبراني ، وأقره ابو الحسن الهيثمي في " مجمع الزوائد " كما سيأتي . وقد جمع المحدث الكبير محمد عابد السندي ، في جزء خاص الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب فشفى وكفى . وعمل الأمة المتوارث طبقة فطبقة في ذلك مما يصعب استقصاؤه وفي ذلك كتب خاصة . وفي مناسك الإمام أحمد رواية ابي بكر المروزي التوسل إلى الله تعالى بالنبي rوالصيغة التي ذكرها أبو الوفاء بن عقيل كبير الحنابلة في " تذكرته " في التوسل به عليه السلام ، على مذهب الحنابلة فيها طول ، ذكرنا نصها في تكملتنا " للسيف الصقيل " وتوسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل " تاريخ الخطيب " بسند صحيح. وتمسح الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي بقبر أحمد للإستشفاء لدمامل أعيا الأطباءً مذكور في " الحكايات المنثورة " للحافظ الضياء المقدسي سماعاً من شيخة المذكور . والكتاب محفوظ بظاهرية دمشق ، وهو بخط المؤلف . فهل هؤلاء عباد القبور؟!. وأما من جهة المعقول فإن أمثال الإمام فخر الدين الرازي والعلامة سعد الدين التفتازاني والعلامة السيد الشريف الجرجاني وغيرهم من كبار أئمة أصول الدين الذين يفزع اليهم في حل المشكلات في أصول الديانة : قد صرحوا بجواز التوسل بالأنبيا والصالحين أحياءا وأمواتاً ، وأي ضعيف يستطيع أن يرميهم بعبادة القبور ، والدعوة إلى الإشراك بالله ، وإليهم تفزع الأمة في معرفة الإيمان والكفر ، والتوحيد والإشراك ، والدين الخالص . والمدد كله عند الجميع من مسبب الأسباب جل جلاله. فدونك نصوصاً من كلام هؤلاء الأئمة في هذه المسألة. قال الرازي في تفسيره : " إن الأرواح البشرية الخالية من العلائق الجسمانية المشتاقة إلى الإتصال بالعالم العلوي بعد خروجها من ظلمة الأجساد تذهب إلى عالم الملائكة ومنازل القدس, ويظهر منها آثار في أحوال هذا العالم ، فهي المدبرات أمرا أليس الإنسان قد يرى أستاذه في المنام ويسأله عن مسألة فيرشده إليها . وقال الرازي في " المطالب العالية " وهو من أمتع كتبه في أصول الدين : في الفصل العاشر من المقالة الثالثة من الكتاب السابع منه : إن الإنسان قد يرى أباه وأمه في المنام ويسألهما عن أشياء وهما يذكران أجوبة صحيحة ، وربما أرشداه إلى دفين في موضع لا يعلمه أحد ، ثم قال أنا كنت صبياً في أول التعلم ، وكنت أقرأ " حوادث لا أول لها " فرأيت في المنام أبي فقال لي : أجود الدلائل أن يقال الحركة إنتقال من حالة إلى حالة فهي تقتضي بحسب ماهيتها مسبوقيتها بالغير ، والأزل ينافي مسبوقاً بالغير ، فوجب أن يكون الجمع بينهما محالاً ثم قال المنصف والظاهر أن هذا الوجه أحسن من كل ما قيل في هذه المسألة.
  10. الحديث الرابع والخمسون: أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : .من صنع إلى أحدٍ من أهل بيتي يداً، كافأته يوم القيامة. الحديث الخامس والخمسون: أخرج البارودي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا: كتاب الله، سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا، حتى يردا عليَّ الحوض . الحديث السادس والخمسون: أخرج أحمد، والطبراني، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا، حتى يردا عليّ الحوض. الحديث السابع والخمسون: أخرج الترمذي، والحاكم، والبيهقي، في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ستةٌ لعنهم الله وكلّ نبي مُجاب: الزائد في كتاب الله، والمُكّذب بقدر الله، والمُتسلّط بالجبروت، فيُعزّ بذلك من أذّلّ الله، ويُذلّ من أعزّ الله. والمُستحل لِحُرَم الله، والمُستحل من عترتي ما حرّم الله، والتارك لسنّتي. الحديث الثامن والخمسون: أخرج الديلمي في "الأفراد"، والخطيب في "المتفق"، عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستةٌ لعنهم الله وكلُّ نبي مُجاب: الزائد في كتاب الله، والمُكذّب بقدر الله، والراغب عن سنتي إلى بدعة، والمُستحل من عترتي ما حرّم الله، والمُتسلّط على أمتي بالجبروت، ليُعزّ من أذلّ الله، ويُذّل من أعزّ الله، والمرتدّ أعرابيّاً بعد هجرته. الحديث التاسع والخمسون: أخرج الحاكم في تاريخه، والديلمي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من حفظهن؛ حفظ الله له دينه ودنياه، ومن ضيّعهن؛ لم يحفظ الله له شيئاً: حُرمة الإسلام، وحُرمتي، وحُرمة رحِمي. الحديث الستون: أخرج الديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير الناس العرب، وخير العرب قريش، وخير قريش بنو هاشم.
  11. الحديث الثامن والأربعون: أخرج الديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المُكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم أمورَهم عندما اضطروا، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه. الحديث التاسع والأربعون: أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي. الحديث الخمسون: أخرج الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .إنّ الله يبغض الآكل فوق شبعه، والغافل عن طاعة ربّه، والتارك لسنّة نبيّه، والمُخفر ذمته، والمُبغض عترة نبيّه، والمؤذي جيرانه. الحديث الحادي والخمسون: أخرج الديلمي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل بيتي والأنصار كرشي وعيبتي، وصحابيّ، وموضع مسرّتي، وأمانتي. فاقبلوا من مُحسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. الحديث الثاني والخمسون: أخرج أبو نعيم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أولى رجلاً من بني عبد المطلب معروفاً في الدنيا، فلم يقدر المُطّلبي على مكافأته، فأنا أكافئه عنه يوم القيامة. الحديث الثالث والخمسون: أخرج الخطيب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنع صنيعةً إلى أحدٍ من خَلَفِ عبد المطلب في الدنيا، فعليَّ مُكافأتهُ إذا لقيني.
  12. الحديث الرابع والعشرون: أخرج البزار عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل أهل بيتي, مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تركها غرق. الحديث الخامس والعشرون: أخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل أهل بيتي , مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق . الحديث السادس والعشرون: أخرج الطبراني عن أبي ذر رضي الله عنه , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثل أهل بيتي فيكم ,كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ومثل حطة بني إسرائيل. الحديث السابع والعشرون: أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (اٍنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. الحديث الثامن والعشرون: أخرج ابن النجار في تاريخه عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل شيء أساس , وأساس الاٍسلام حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب أهل بيته . الحديث التاسع والعشرون:أخرج الطبراني عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني أنثى فاٍن عصبتهم لأبيهم ,ما خلا ولد فاطمة فإني عصبتهم فأنا أبوهم. الحديث الثلاثون : أخرج الطبراني عن فاطمة الزهراء رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم ,إلا ولدي فاطمة فأنا وليهما وعصبتهما . الحديث الحادي والثلاثون: أخرج الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل بني أمّ عصبة ينتمون إليهم , إلا ابني فاطمة فأنا وليهما وعصبتهما . الحديث الثاني والثلاثون: أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر رضي الله عنه, أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للناس حين تزوج بنت علي رضي الله عنه : ألا تهنئوني ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ينقطع يوم القيامة كل سبب ونسب , إلا سببي ونسبي. الحديث الثالث والثلاثون: أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة , إلا سببي ونسبي. الحديث الرابع والثلاثون: أخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة ,إلا نسبي وصهري. الحديث الخامس والثلاثون: أخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ,وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ,فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا ,فصاروا حزب إبليس . الحديث السادس والثلاثون: أخرج الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعدني ربي في أهل بيتي ,من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ ,أنه لا يعذبهم. الحديث السابع والثلاثون : أخرج ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى). قال :من رضا محمد :أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار . الحديث الثامن والثلاثون: أخرج البزار ,وأبو يعلى والعقيلي والطبراني وابن شاهين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فاطمة أحصنت فرجها ,فحرم الله ذريتها على النار. الحديث التاسع والثلاثون: أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها : إن الله غير معذبك ولا ولدك. الحديث الأربعون : أخرج الترمذي وحسنه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي. الحادي والأربعون: أخرج الخطيب في تاريخه عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .شفاعتي لأمتي، من أحبّ أهل بيتي. الحديث الثاني والأربعون: أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أوّل من أشفع له من أمّتي، أهل بيتي الحديث الثالث والأربعون: أخرج الطبراني عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أبيه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالجحفة فقال: ألستُ أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإني سائلكم عن اثنين؛ عن القرآن وعترتي . الحديث الرابع والأربعون: أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن محبتنا أهل البيت . الحديث الخامس والأربعون: أخرج الديلمي عن علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أوّل من يردُ عليّ الحوض، أهل بيتي. الحديث السادس والأربعون: أخرج الديلمي عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حُبّ نبيّكم، وحُبّ أهل بيته، وعلى قراءة القرآن. فإنّ حملة القرآن في ظلّ الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه، مع أنبيائه وأصفيائه الحديث السابع والأربعون: أخرج الديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثبتـُكم على الصراط، أشدّكم حـُبـّاً لأهل بيتي وأصحابي.
  13. الحديث الثاني العاشر: أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بغض بني هاشم والأنصار كفر ,وبغض العرب نفاق . الحديث الثالث عشر: أخرج ابن عدّي في "الإكليل" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أبغضنا أهل البيت، فهو منافق الحديث الرابع عشر: أخرج ابن حبان في صحيحه والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت رجل، إلاّ أدخله الله النار الحديث الخامس عشر: أخرج الطبراني عن الحسن ابن علي رضي الله عنهما، أنه قال لمعاوية بن حديج : يا معاوية بن حديج ، إيّاك وبغضنا، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يبغضنا أحد، لا يحسدنا أحد، إلا ذيذ يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار . الحديث السادس عشر: أخرج ابن عدي, والبيهقي في شعب الأيمان عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يعرف حق عترتي والأنصار ,فهو لإحدى ثلاث :إما منافق وإما لزنية, وإما لغير طهور . يعني حملته أمه على غير طهر. الحديث السابع عشر: أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخلفوني في أهل بيتي الحديث الثامن عشر: أخرج الطبراني في الأوسط عن الحسن بن علي رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الزموا مودتنا أهل البيت ,فاٍنه من لقي الله وهو يودنا, دخل الجنة بشفاعتنا , والذي نفسي بيده , لا ينفع عبدا عمل عمله إلا بمعرفته حقنا . الحديث التاسع عشر: أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو يقول: (أيها الناس, من أبغضنا أهل البيت, حشره الله تعالى يوم القيامة يهوديا . الحديث العشرون: أخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا بني هاشم إني قد سألت الله أن يجعلكم نجداء رحماء وسألته أن يهدي ضالكم ويؤمن خائفكم ويشبع جائعكم والذي نفسي بيده, لا يؤمن أحد حتى يحبكم بحبي أترجون أن تدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ؟ الحديث الحادي والعشرون: أخرج ابن أبي شيبة ومسدد في مسنديهما, والحكيم الترمذي وأبو يعلى والطبراني عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النجوم أمان لأهل السماء , وأهل بيتي أمان لأمتي . الحديث الثاني والعشرون: أخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسو الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبدا : كتاب الله ونسبيي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. الحديث الثالث والعشرون: أخرج البزار عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني مقبوض واٍني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي وإنكم لن تضلوا بعدهما .
  14. فضل آل البيت في السنة النبوية الشريفة وهي رسالة عظيمة للإمام الجامع العالم الجليل جلال الدين السيوطي رحمه الله وأسمها إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي وهي ستون حديثا نبوياً شريفا وردت في حق أهل البيت الكرام جمعه رضي الله عنه في رسالة واحدة الحديث الأول : أخرج سعيد بن منصور في سننه :عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) . قال: قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث الثاني: أخرج ابن المنذر, وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم والطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما, لما نزلت هذه الآية ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). قالوا: يا رسول الله , من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: علي, وفاطمة , وولداهما . الحديث الثالث: أخرج ابن أبي حاتم ,عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (ومن يقترف حسنة) . قال : المودة لآل محمد صلى الله عليه وسلم . الحديث الرابع : أخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، والحاكم عن المطلب بن ربيعة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لا يدخل قلب امريء مسلم إيمان، حتى يحبكم لله ولقرابتي . الحديث الخامس : أخرج مسلم، والترمذي، والنسائي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أذكركم الله في أهل بيتي . الحديث السادس : أخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . الحديث السابع: أخرج عبد بن حُميد في مسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به بعدي لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. إنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض . الحديث الثامن: أخرج أحمد وأبو يعلى، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير خبرني، أنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . الحديث التاسع : أخرج الترمذي وحسنه، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحبّ الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي . الحديث العاشر : أخرج البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه:قال: ارقبوا محمد ا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته . الحديث الحادي عشر: أخرج الطبراني,والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد المطلب, إني سألت الله فيكم ثلاثا: أن يثبت قلوبكم , وأن يعلم جاهلكم , ويهدي ضالكم, وسألته أن يجعلكم جُوَدَاءُ نجداء رحماء . فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام , ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمد , دخل النار.
  15. وقال الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر المشهور في كتابه الذي ألفه في مناقب شيخه الشيخ عبد الله المنوفي ما نصه: الباب السادس في طي الأرض له مع عدم تحركه من ذلك أن رجلا جاء من الحجاز وسأل عن الشيخ وذكر أنه رآه واقفا بعرفة فقال له الناس الشيخ لم يزل من مكانه فحلف على ذلك فطلع الشيخ وأراد أن يتكلم فأشار إليه بالسكوت وذكر وقائع أخرى وقعت له من هذا النوع ثم قال فإن قلت كيف يمكن وجود الشخص الواحد بمكانين قلت الولي إذا تحقق في ولايته تمكن من التصور في روحانيته ويعطي من القدرة التصوير في صور عديدة وليس ذلك بمحال لأن المتعدد هو الصورة الروحانية وقد اشتهر ذلك عند العارفين بالله كما حكى عن قضيب البان أنكر عليه بعض الفقهاء عدم الصلاة في جماعة ثم اجتمع ذلك الفقيه به فصلى بحضرته ثمان ركعات في أربع صور ثم قال له أي صورة لم تصل معكم فقبل يد الشيخ وتاب، وكما حكى عن الشيخ أبي عباس المرسي أنه طلبه إنسان لأمر عنده يوم الجمعة بعد الصلاة فأنعم له ثم جاء له أربعة كل منهم طلب منه مثل ذلك فأنعم للجميع ثم صلى الشيخ مع الجماعة وجاء فقعد بين الفقهاء ولم يذهب لأحد منهم وإذا بكل من الخمسة جاء يشكر الشيخ على حضوره عنده، وقد حكى جماعة أن الكعبة رؤيت تطوف ببعض الأولياء هذا كلام الشيخ خليل وناهيك به إمامة وجلالة، ورأيت في مناقب الشيخ تاج الدين بن عطاء الله لبعض تلاميذه أن رجلا من جماعة الشيخ حج قال فرأيت الشيخ في المطاف وخلف المقام وفي المسعى وفي عرفة فلما رجعت سألت عن الشيخ فقيل هو طيب فقلت هل سافر أو خرج من البلد فقيل لا فجئت إليه وسلمت عليه فقال لي من رأيت في سفرتك هذه من الرجال قلت يا سيدي رأيتك فتبسم وقال الرجل الكبير يملأ الكون لو دعى القطب من حجر لأجاب. وقال صاحب الوحيد: الخصائص الإلهية لا يحجر عليها فهذا عزرائيل يقبض في كل ساعة من الخلائق في جميع العوالم ما لا يعلمه إلا الله وهو يظهر لهم بصور أعمالهم في مرائى شتى وكل واحد منهم يشهده ويبصره في صور مختلفة. وقال الشيخ سراج الدين ابن الملقن ومن خطه نقلت في طبقات الأولياء: الشيخ قضيب البان الموصلي ذو الأحوال الباهرة والكرامات المتكاثرة سكن الموصل واستوطنها إلى أن مات فيها قريبا من سنة سبعين وخمسمائة ذكره الكمال ابن يونس فوقع فيه موافقة لمن عنده فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم فبهتوا وقال يا ابن يونس أنت تعلم كلما يعلمه الله قال لا قال فأين كنت أنا من العلم الذي لا تعلمه أنت فلم يدر ابن يونس ما يقول وسئل عنه الشيخ عبد القادر الكيلاني فقال هو ولي مقرب ذو حال مع الله وقدم صدق عنده فقيل له ما نراه يصلي فقال انه يصلي من حيث لا ترونه وإني أراه إذا صلى بالموصل أو بغيرها من آفاق الأرض يسجد عند باب الكعبة، وقال أبو الحسن القرشي رأيته في بيته بالموصل قد ملأه ونما جسد: نماء خارقا للعادة فخرجت وقد هالني منظره ثم عدت إليه فرأيته في زاوية البيت وقد تصاغر حتى صار قدر العصفور ثم عدت إليه فرأيته كحالته المعتادة انتهى. وفي الطبقات المذكورة من هذا النمط أشياء كثيرة. وقال الشيخ برهان الدين الابتاسي في كتاب تلخيص الكوكب المنير في مناقب الشيخ أبي العباس البصير من كراماته أنه لما قدم مكة اجتمع بالشيخ أبي الحجاج الأقصري فجلسا في الحرم يتذاكران أحوال القوم فقال أبو الحجاج هل لك في طواف أسبوع فقال أبو العباس إن لله رجالا يطوف بيته بهم فنظر أبو الحجاج وإذا بالكعبة طائفة بهما، قال الابناسي ولا ينكر ذلك فقد تضافرت أخبار الصالحين على نظير هذه الحكاية. وقال العلامة شمس الدين بن القيم في كتاب الروح: للروح شأن آخر غير شأن البدن فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة ببدن الميت بحيث إذا سلم على صاحبها رد السلام وهي في مكانها هناك وهذا جبريل رآه النبي صلى الله عليه وسلم وله ستمائة جناح منها جناحان سدا الأفق وكان يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه وقلوب المخلصين تتسع للإيمان بأن من الممكن أنه كان يدنو هذا الدنو وهو في مستقره من السماوات، وقال صاحب الوحيد: من القوم من كان يخلي جسده ويصير كالفخارة التي لا روح فيها كما أخبرني عيسى بن المظفر عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني وكان عالما ومدرسا وحاكما بقوص أن رجلا كان يخلي جسده ثلاثة ايام ثم يرجع إلى حاله الذي كان عليه انتهى. قلت الأصبهاني المذكور هو العلامة شمس الدين المشهور صاحب شرح المحصول وغيره من التصانيف في الأصلين نقل ابن السبكي في طبقاته عن الشيخ تاج الدين الفركاح أنه قال لم يكن في زمانه في علم الأصول مثله، وقال ابن السبكي أيضا في الطبقات الكبرى الكرامات أنواع إلى أن قال الثاني والعشرون التطور بأطوار مختلفة وهذا الذي تسميه الصوفية بعالم المثال وبنوا عليه تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال واستأنسوا له بقوله تعالى (فتمثل لها بشرا سويا) ومنه قصة قضيب البان ثم ذكرها وذكر غيرها. قلت ومن شواهد ما نحن فيه ما أخرجه أحمد والنسائي بسند صحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بي فأصبحت بمكة قطعت وعرفت أن الناس مكذبي فذكر الحديث إلى أن قال قالوا وتستطيع أن تنعت المسجد وفي القوم من قد سافر إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى التبس على بعض النعت فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل أو عقال فنعته وأنا أنظر إليه. فهذا إما من باب التمثيل كما في رؤية الجنة والنار في عرض الحائط وإما من باب طي المسافة وهو عندي أحسن هنا ومن المعلوم أن أهل بيت المقدس لم يفقدوه تلك الساعة من بلدهم، ومن ذلك ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر في تفاسيرهم والحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس في قوله تعالى (لولا أن رأى برهان ربه) قال مثل له يعقوب وأخرج ابن جرير مثله عن سعيد بن جبير وحميد بن عبد الرحمن ومجاهد والقاسم ابن أبي بزة وعكرمة ومحمد بن سيرين وقتادة وأبي صالح وشمر بن عطية والضحاك وأخرج عن الحسن قال انفرج سقف البيت فرأى يعقوب، وفي لفظ عنه قال رأى تمثال يعقوب. فهذا القول من هؤلاء السلف دليل على اثبات المثال أو طي المسافة وهو شاهد عظيم لمسألتنا حيث رأى يوسف عليه السلام وهو بمصر أباه وكان إذ ذاك بأرض الشام ففيه اثبات رؤية يعقوب عليه السلام بمكانين متباعدين في وقت واحد بناء على إحدى القاعدتين اللتين ذكرناهما والله أعلم. مِنْ (الحاوي للفتاوي) للإمام الجلال السيوطي .
  16. فتكون الروح الواحدة كروح جبريل مثلا في وقت واحد مدبرة لشبحه الأصلي ولهذا الشبح المثالي، وينحل بهذا ما قد اشتهر نقله عن بعض الأئمة أنه سأل بعض الأكابر عن جسم جبريل عليه السلام فقال أين كان يذهب جسمه الأول الذي سد الأفق بأجنحته لما تراءى للنبي صلى الله عليه وسلم في صورته الأصلية عند إتيانه إليه في صورة دحية، وقد تكلف بعضهم الجواب عنه بأنه يجوز أن يقال كان يندمج بعضه في بعض إلى أن يصغر حجمه فيصير بقدر صورة دحية ثم يعود ينبسط إلى أن يصير كهيئته الأولى وما ذكره الصوفية أحسن وهو أن يكون جسمه الأول بحاله لم يتغير وقد أقام الله له شبحا آخر وروحه تتصرف فيهما جميعا في وقت واحد وكذلك الأنبياء ولا بعد في ذلك لأنه إذا جاز إحياء الموتى لهم وقلب العصا ثعبانا وأن يقدرهم الله على خلاف المعتاد في قطع المسافة البعيدة كما بين السماء والأرض في لحظة واحدة إلى غير ذلك من الخوارق فلا يمتنع أن يخصهم بالتصرف في بدنين وأكثر من ذلك وعلى هذا الأصل تخرج مسائل كثيرة وتنحل به إشكالات غير يسيرة كقولهم جنة عرضها السماوات والأرض وهي فرق السماوات والأرض وسقفها عرش الرحمن كيف أريها النبي صلى الله عليه وسلم في عرض الحائط حتى تقدم إليها في صلاته ليقتطف منها عنقودا على ما ورد به الحديث وجوابه أنه بطريق التمثل، وكما يحكى عن قضيب البان الموصلي وكان من الأبدال أنه اتهمه بعض من لم يره يصلي بترك الصلاة وشدد النكير عليه في ذلك فتمثل له على الفور في صور مختلفة وقال في أي هذه الصور رأيتني ما أصلي، ولهم حكايات كثيرة مبنية على هذه القاعدة وهي من أمهات القواعد عندهم والله أعلم هذا كله كلام القونوي بحروفه. وقال الشيخ تاج الدين بن السبكي في الطبقات الكبرى في ترجمة أبي العباس الملثم: كان من أصحاب الكرامات والأحوال ومن أخص الناس بصحبته تلميذه الشيخ الصالح عبد الغفار بن نوح صاحب كتاب الوحيد في علم التوحيد وقد حكى في كتابه كثيرا من كراماته من ذلك قال كنا عنده يوم الجمعة فاشتغلنا بالحديث وكان حديثه يلذ للمسامع فبينما نحن في الحديث والغلام يتوضأ فقال له الشيخ إلى أين يا مبارك فقال إلى الجامع فقال وحياتي صليت فخرج الغلام وجاء فوجد الناس قد خرجوا من الجامع قال عبد الغفار فخرجت فسألت الناس فقالوا كان الشيخ أبو العباس في الجامع والناس تسلم عليه فرجعت إليه فسألته فقال أنا أعطيت التبدل، قال ابن السبكي ولعل قوله صليت من صفات البدلية فإنهم يكونون في مكان وشبحهم في مكان آخر قال وقد تكون تلك الصفة الكشف الصوري الذي ترتفع فيه الجدران ويبقى الاستطراق فيصلي كيف كان ولا يحجبه الاستطراق انتهى. وقال صفي الدين بن أبي المنصور في رسالته جرت للشيخ مفرج ببلده قضية مع أصحابه قال شخص منهم كان قد حج لآخر رأيت مفرجا بعرفة فنازعه الآخر بأن الشيخ ما فارق دمامين ولا راح لغيرها وحلف كل منهما بالطلاق الذي كان قد حج حلف بالطلاق من زوجته أنه رآه بعرفة وحلف الآخر بالطلاق أنه لم يغب عن دمامين في يوم عرفة فاختصما إليه وذكر كل منهما يمينه فأقرهما على حالهما وأبقى كل واحد على زوجته فسألته عن حكمة فيهما وصدق أحدهما يوجب حنث الآخر وكان حاضرا معنا رجال معتبرون قال الشيخ لنا قولوا إذنا منه بأن نتحدث في سر هذا الحكم فتحدث كل منهم: وجه لا يكفى وكأن المسألة قد اتضحت لي فأشار إلي بالإيضاح فقلت الولي إذا تحقق في ولايته مكن من التصور في صور عديدة وتظهر على روحانيته في حين واحد في جهات متعددة فإنه يعطى التطور في الأطوار والتلبس في الصور على حكم إرادته فالصورة التي ظهرت لمن رآها بعرفة حق وصورته التي رآها الآخر لم تفارق دمامين حق وصدق كل منهما في يمينه فقال الشيخ هذا هو الصحيح. انتهى. وقد ساق ذلك اليافعي في كفاية المعتقد وقال فإن قلت هذا مشكل ولا سبيل إلى أن يسلم الفقيه ذلك ولا يسوغ في عقله أبدا ولا يصح الحكم عنده بعدم حنث الاثنين أبدا إذ وجود شخص واحد في مكانين في وقت واحد محال في العقل فالجواب عن هذا ما أجاب به الشيخ صفي الدين المذكور وليس ذلك محالا لأنه إثبات تعدد الصور الروحانية وليس ذلك بصورة واحدة حتى يلزم منه المحال قال فان قيل الإشكال باق في تعدد الصور من شخص واحد فالجواب أن ذلك قد وقع وشوهد ولا يمكن جحده وان تحير فيه العقل، من ذلك ما اشتهر عن كثير من الفقهاء وغيرهم أن الكعبة المعظمة شوهدت تطوف بجماعة من الأولياء في أوقات في غير مكانها ومعلوم أنها في مكانها لم تفارقه في تلك الأوقات ومن ذلك قصة قضيب البان وروينا عن بعض الأكابر أنه قال ما الشأن في الطيران إنما الشأن في اثنين أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب يشتاق كل منهما إلى زيارة الآخر فيجتمعان ويتحدثان ويعود كل واحد منهما إلى مكانه والناس يشاهدون كل واحد منهما في مكانه لم يبرح عنه. وقال اليافعي أيضا في روض الرياحين ذكر بعض أصحاب سهل بن عبد الله قال حج رجل سنة فلما رجع قال لأخ له رأيت سهل بن عبد الله في الموقف بعرفة فقال له أخوه نحن كنا عنده يوم التروية في رباطه بباب تستر فحلف بالطلاق أنه رآه في الموقف فقال له أخوه قم بنا حتى نسأله فقاما ودخلا عليه وذكرا له ما جرى بينهما وسألاه عن حكم اليمين فقال سهل مالكم بهذا من حاجة اشتغلوا بالله وقال للحالف أمسك عليك زوجك ولا تخبر بهذا أحدا انتهى.
  17. المنجلي في تطور الولي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. رفع إلي سؤال في رجل حلف بالطلاق أن ولي الله الشيخ عبد القادر الطشطوطي بات عنده ليلة كذا فحلف آخر بالطلاق أنه بات عنده في تلك الليلة بعينها فهل يقع الطلاق على أحدهما أم لا؟ فأرسلت قاصدي إلى الشيخ عبد القادر فسأله عن ذلك فقال ولو قال أربعة أني بت عندهم لصدقوا فأفتيت بأنه لا يحنث واحد منهما، وتقرير ذلك من حيث الفقه أنه لا يخلو أما أن يقيم كل منهما بينة أو لا يقيم أحد منهما أو يقيمها واحد دون الآخر فالحالان الأولان عدم الحنث فيهما واضح لا ينازع فيه أحد لأنه لا يمكن تحنيثهما معا كما هو ظاهر ولا تحنيث واحد معين منهما لأنه تحكم وترجيح من غير مرجح وأنت خبير بما قاله الفقهاء في مسألة الطائر، وأما الحال الثالث فقد ينازع فيها من يتوهم أن وجود الشخص الواحد في مكانين في وقت واحد غير ممكن بل هو مستحيل وليس كما توهمه هذا المتوهم من الاستحالة فقد نص الأئمة الأعلام على أن ذلك من قسم الجائز الممكن وإذا كان ممكنا فظاهر أنه لا حنث لأن من حلف على وجود شيء ممكن عنده لم يحكم عليه بالحنث لإمكان صدقه، والطلاق لا يقع في الظاهر بالشك وهذا أمر لا يحتاج إلى تقرير وإنما الذي يحتاج إليه إثبات كون هذا المحلوف عليه ممكنا وقد وقعت هذه المسألة قديما وأفتى فيها العلماء بعدم الحنث كما أفتيت به واستنادهم فيه إلى كونه ممكنا غير مستحيل فأقول قد نص على إمكان ذلك أئمة أعلام منهم العلامة علاء الدين القونوي شارح الحاوي والشيخ تاج الدين السبكي وكريم الدين الأملي شيخ الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء وصفي الدين بن أبي المنصور وعبد الغفار بن نوع القوصي صاحب الوحيد والعفيف اليافعي والشيخ تاج الدين ابن عطاء الله والسراج ابن الملقن والبرهان الأبناسي والشيخ عبد الله المنوفي وتلميذه الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر وأبو الفضل محمد بن إبراهيم التلمساني المالكي وخلق آخرون، وحاصل ما ذكروه في توجيه ذلك ثلاثة أمور: أحدها أنه من باب تعدد الصور بالتمثل والتشكل كما يقع ذلك للجان، والثاني أنه من باب طي المسافة وزوي الأرض من غير تعدد فيراه الرائيان كل في بيته وهي بقعة واحدة إلا أن الله طوى الأرض ورفع الحجب المانعة من الاستطراق فظن أنه في مكانين وإنما هو في مكان واحد، وهذا أحسن ما يحمل عليه حديث رفع بيت المقدس حتى رآه النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حال وصفه إياه لقريش صبيحة الإسراء، والثالث أنه من باب عظم جثة الولي بحيث ملأ الكون فشوهد في كل مكان كما قرر بذلك شأن ملك الموت ومنكر ونكير حيث يقبض من مات في المشرق وفي المغرب في ساعة واحدة ويسأل من قبر فيهما في الساعة الواحدة فإن ذلك أحسن الأجوبة في الثلاثة، ولا ينافي ذلك رؤيته على صورته المعتادة فإن الله يحجب الزائد عن الأبصار أو يدمج بعضه في بعض كما قيل بالأمرين في رؤية جبريل في صورة دحية وخلقته الأصلية أعظم من ذلك بحيث أن جناحين من أجنحته يسدان الأفق، وها أنا أذكر بعض كلام الأئمة في ذلك قال العلامة علاء الدين القونوي في تأليف له يسمى الإعلام ما نصه: وفي الممكن أن يخص الله تعالى بعض عباده في حال الحياة بخاصية لنفسه الملكية القدسية وقوة لها يقدر بها على التصرف في بدن آخر غير بدنها المعهود مع استمرار تصرفها في الأول وقد قيل في الإبدال أنهم إنما سموا إبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شبحا آخر شبيها بشبحهم الأصلي بدلا عنه وإذا جاز في الجن أن يتشكلوا في صور مختلفة فالأنبياء والملائكة والأولياء أولى بذلك، وقد أثبت الصوفية عالما متوسطا بين عالم الأجساد وعالم الأرواح سموه عالم المثال وقالوا هو ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح وبنوا على ذلك تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال وقد يستأنس لذلك بقوله تعالى (فتمثل لها بشرا سويا)
  18. وإن ابتليت بهذا العمل فاحترز عن خصلتين: (1) الخصلة الأولي: عن التكلف في الكلام بالعبارات والإشارات والطامات والأبيات والأشعار لأن الله تعالى يبغض المتكلفين والمتكلف المتجاوز عن الحد يدل على خراب الباطن وغفلة القلب ومعني التذكير أن يذكر العبد نار الآخرة وتقصير نفسه في خدمة الخالق ويتفكر في عمره الماضي الذي أفناه فيما لا يعينه ويتفكر فيما بين يديه من العقبات من عدم سلامة الإيمان في الخاتمة وكيفية حاله في قبض ملك الموت وهل يقدر على جواب منكر ونكير ويهتم بحاله في القيامة ومواقفها وهل يعبر عن الصراط سالما أم يقع في الهاوية؟ ويستمر ذكر هذه الأشياء في قلبه فيزعجه عن قراره. فغليان هذه النيران ونوحة هذه المصائب يسمي تذكيرا. وإعلام الخلق وإطلاعهم على هذه الأشياء وتنبيههم على تقصيرهم وتفريطهم وتبصيرهم بعيوب أنفسهم لتمس حرارة هذه النيران أهل المجلس وتجزعهم تلك المصائب ليتداركوا العمر الماضي بقدر الطاقة ويتحسروا على الأيام الخالية في غير طاعة الله تعالى: هذه الجملة على هذا الطريق تسمى وعظا. كما لو رأيت أن السيل قد هجم على دار أحد وكان هو وأهله فيها فتقول: الحذر الحذر فروا من السيل. وهل يشتهي قلبك في هذه الحالة أن تخبر صاحب الدار خبرك بتكلف العبارات والنكت والإشارات فلا تشتهي البتة فكذلك حال الواعظ فينبغي أن يتجنبها. (2) والخصلة الثانية: ألا تكون همتك في وعظك أن ينعر الخلق في مجلسك أو يظهروا الوجد ويشقوا الثياب ليقال: نعم المجلس هذا! لأن كله ميل للدنيا وهو يتولد من الغفلة. بل ينبغي أن يكون عزمك وهمتك أن تدعو الناس من الدنيا إلى الآخرة ومن المعصية إلى الطاعة ومن الحرص إلى الزهد ومن البخل إلى السخاء ومن الشك إلى اليقين ومن الغفلة إلى اليقظة ومن الغرور إلى التقوى وتحبب إليهم الآخرة وتبغض إليهم الدنيا وتعلمهم علم العبادة والزهد ولا تغرهم بكرم الله تعالى عز وجل ورحمته , لأن الغالب في طباعهم الزيغ عن منهج الشرع والسعي فيما لا يرضى الله تعالي به والاستعثار بالأخلاق الردية. فألق في قلوبهم الرعب وروعهم وحذرهم عما يستقبلون من المخاوف لعل صفات باطنهم تتغير ومعاملة ظاهرهم تتبدل ويظهر الحرص والرغبة في الطاعة والرجوع عن المعصية. وهذا طريق الوعظ والنصيحة وكل وعظ لا يكون هكذا فهو وبال على من قال وسمع بل قيل: إنه غول وشيطان يذهب بالخلق عن الطريق ويهلكهم فيجب عليهم أن يفروا منه لأن ما يفسد هذا القائل من دينهم لا يستطيع بمثله الشيطان. ومن كانت له يد وقدرة يجب عليه أن ينزله عن منابر المواعظ ويمنعه عما باشر فإنه من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثالثاً : مما تدع ألا تخالط الأمراء والسلاطين ولا تراهم لأن رؤيتهم ومجالستهم ومخالطتهم آفة عظيمة ولو ابتليت بها دع عنك مدحهم وثناهم لأن الله تعالى يغضب إذا مدح الفاسق والظالم. ومن دعا لطول بقائهم فقد أحب أن يعصى الله تعالى في أرضه. رابعاً: مما تدع ألا تقبل شيئا من عطاء الأمراء وهداياهم وإن علمت أنها من الحلال. لأن الطمع منهم يفسد الدين لأنه يتولد منه المداهنة ومراعاة جانبهم والموافقة في ظلمهم. وهذا كله فساد في الدين وأقل مضرته أنك إذا قبلت عطاياهم وانتفعت من دنياهم أحببتهم ومن أحب أحدا يحب طول عمره وبقائه بالضرورة وفي محبة الظالم إرادة في الظلم على عباد الله تعالى وإرادة خراب العالم. فأي شيء يكون أضر من هذا للدين والعاقبة؟ وإياك إياك أن يخدعك استهواء الشياطين أو قول بعض الناس لك بأن الأفضل والأولى أن تأخذ الدينار والدرهم منهم وتفرقهما بين الفقراء والمساكين فإنهم ينفقون في الفسق والمعصية وإنفاقك على ضعفاء الناس خير من إنفاقهم فإن اللعين قد قطع أعناق كثير من الناس بهذه الوسوسة وقد ذكرناه في إحياء العلوم فاطلبه ثمة. وأما الأربعة التي ينبغي لك أن تفعلها : أولاً: أن تجعل معاملتك مع الله تعالى بحيث لو عامل معك بها عبدك ترضى بها منه ولا يضيق خاطرك عليه ولا تغضب والذي لا ترضى لنفسك من عبدك المجازي فلا ترض أيضا لله تعالى وهو سيدك الحقيقي. ثانياً: كلما عملت بالناس اجعله كما ترضى لنفسك منهم لأنه لا يكمل إيمان عبد حتى يحب لسائر الناس ما يحب لنفسه. ثالثاً: إذا قرأت العلم أو طالعته ينبغي أن يكون علمك يصلح قلبك ويزكي نفسك كما لو علمت أن عمرك ما يبقى غير أسبوع فبالضرورة لا تشتغل فيها بعلم الفقه والأخلاق والأصول والكلام وأمثالها لأنك تعلم أن هذه العلوم لا تغنيك. بل تشتغل بمراقبة القلب ومعرفة صفات النفس والإعراض عن علائق الدنيا وتزكي نفسك عن الأخلاق الذميمة وتشتغل بمحبة الله تعالى وعبادته والاتصاف بالأوصاف الحسنة ولا يمر على عبد يوم وليلة إلا ويمكن أن يكون موته فيه. أيها الولد: إسمع مني كلاما آخر وتفكر فيه حتى تجد خلاصا: لو أنك أخبرت أن السلطان بعد أسبوع يجيئك زائرا فأنا أعلم أنك في تلك المدة لا تشتغل إلا بإصلاح ما علمت أن نظر السلطان سيقع عليه من الثياب والبدن والدار والفراش وغيرها والآن تفكر إلى ما أشرت به فإنك فهم والكلام الفرد يكفي الكيس قال سيدنا رسول الله (عليه الصلاة والسلام): "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم" وإن أردت علم أحوال القلب فانظر إلى "الإحياء" وغيره من مصنفاتي. وهذا العلم فرض عين وغيره فرض كفاية إلا مقدار ما يؤدى به فرائض الله تعالى وهو يوفقك حتى تحصله. رابعاً: ألا تجمع من الدنيا أكثر من كفاية سنة كما كان سيدنا رسول الله (عليه الصلاة والسلام) يعد ذلك لبعض حجراته وقال: "أللهم اجعل قوت آل محمد كفافا". ولم يكن يعد ذلك لكل حجراته بل كان يعده لمن علم أن في قلبها ضعفا. وأما من كانت صاحبة يقين فما كان يعد لها أكثر من قوت يوم أو نصف. أيها الولد: إني كتبت في هذا الفصل ملتمساتك فينبغي لك أن تعمل بها ولا تنساني فيه من أن تذكرني في صالح دعائك. وأما الدعاء الذي سألت مني فاطلبه من دعوات الصحاح وأقرأ هذا الدعاء في جميع أوقاتك خصوصا أعقاب صلواتك: "أللهم إني أسألك من النعمة تمامها ومن العصمة دوامها ومن الرحمة شمولها ومن العافية حصولها ومن العيش أرغده ومن العمر أسعده ومن الإحسان أتمه ومن الإنعام أعمه ومن الفضل أعذبه ومن اللطف أقربه. أللهم كن لنا ولا تكن علينا. أللهم اختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا واصبب سجال عفوك على ذنوبنا ومن علينا بإصلاح عيوبنا واجعل التقوى زادنا وفي دينك اجتهادنا وعليك توكلنا واعتمادنا. أللهم ثبتنا على نهج الاستقامة وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة وخفف عنا ثقل الأوزار وارزقنا عيشة الأبرار واكفنا واصرف عنا شر الأشرار وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا من النار برحمتك يا عزيز يا غفار يا كريم يا ستار يا عليم يا جبار يا الله يا الله يا الله برحمتك يا أرحم الراحمين و يا أول الأولين ويا آخر الآخرين ويا ذا القوة المتين ويا راحم المساكين ويا أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
  19. ثم اعلم أن مرض الجهل على أربعة أنواع: (1) يقبل العلاج والباقي لا يقبل. أما الذي لا يقبل العلاج كان اعتراضه عن حسده وبغضه فكلما تجيبه بأحسن الجواب وأفصحه وأوضحه فلا يزيد له ذلك إلا بغضا وعداوة وحسدا فالطريق ألا تشتغل بجوابه فقد قيل: كل العداوة قد ترجي إزالتها إلا عداوة من عاداك عن حسد فينبغي أن تعرض عنه وتتركه مع مرضه. قال الله تعالى: "فأعرض عمن تولي عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا". والحسود بكل ما يقول ويفعل يوقد النار في زرع عمله كما قال النبي (عليه الصلاة والسلام): "ألحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب". (2) أن تكون علته من الحماقة وهو أيضا لا يقبل العلاج. كما قال عيسى (عليه السلام): "إني ما عجزت عن إحياء الموتى وقد عجزت عن معالجة الأحمق". وذلك رجل يشتغل بطلب العلم زمنا قليلا ويتعلم شيئا من العلم العقلي والشرعي فيسأل ويعترض من حماقته على العالم الكبير الذي مضى عمره في العلوم العقلية والشرعية وهذا الأحمق لا يعلم ويظن أن ما أشكل عليه هو ايضا مشكل على العالم الكبير. فإذا لم يعلم هذا القدر يكون سؤاله من الحماقة. فينبغي ألا تشتغل بجوابه. (3) أن يكون مسترشدا. وكل ما لا يفهم من كلام الأكابر يحمل على قصور فهمه وكان سؤاله للاستفادة لكن يكون بليدا لا يدرك الحقائق فلا ينبغي الاشتغال بجوابه ايضا كما قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "نحن معاشر الأنبياء امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم". (4) أما المرض الذي يقبل العلاج فهو أن يكون مسترشدا عاقلا. فهما لا يكون مغلوب الحسد والغضب وحب الشهرة والجاه والمال ويكون طالب الطريق المستقيم ولم يمن سؤاله واعتراضه عن حسد وتعنت وامتحان. وهذا يقبل العلاج فيجوز أن تشتغل بجواب سؤاله بل يجب عليك إجابته. ثانياً : مما تدع هو أن تحذر من أن تكون واعظا ومذكرا لأن فيه آفة كثيرة إلا أن تعمل بما تقول أولا ثم تعظ به الناس. فتفكر فيما قيل لعيسى (عليه السلام): "يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستح من ربك
  20. ثم إنك سألتني عن العبودية وهي ثلاثة أشياء: (1)محافظة أمر الشرع. (2)الرضاء بالقضاء والقدر وقسمة الله تعالى. (3)ترك رضاء نفسك في طلب رضاء الله تعالى. وسألتني عن التوكل وهو أن يستحكم اعتقادك بالله تعالى فيما وعد يعني تعتقد أن ما قدر لك سيصل إليك لا محالة وإن اجتهد كل من في العالم على صرفه عنك وما لم يكتب لن يصل إليك وإن ساعدك جميع العالم. وسألتني عن الإخلاص وهو أن تكون أعمالك كلها لله تعالى ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس ولا تبالي بمذمتهم. واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق. وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة وتحسبهم كالجمادات في عدم قدرة إيصال الراحة والمشقة لتخلص من مراءاتهم. ومتى تحسبهم ذوي قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء. أيها الولد: والباقي من مسائلك بعضها مسطور في مصنفاتي فاطلبه ثمة وكتابة بعضها حرام. إعمل أنت بما تعلم لينكشف لك ما لم تعلم. أيها الولد: بعد اليوم لا تسألني ما أشكل عليك إلا بلسان الجنان لقوله تعالى: "ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم". واقبل نصيحة سيدنا الخضر (عليه السلام) حين قال: "فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا". ولا تستعجل حتى تبلغ أوانه فينكشف لك وتراه لقوله تعالى "سأريكم آياتي فلا تستعجلون". فلا تسألني قبل الوقت وتيقن أنك لا تصل إلا بالسير لقوله تعالى "أو لم يسيروا في الأرض فينظروا". أيها الولد: بالله إن تسر تر العجائب في كل منزل وابذل روحك فإن رأس هذا الأمر بذل الروح كما قال سيدنا ذو النون المصري (رحمه الله تعالى) لأحد تلامذته: "إن قدرت علي بذل الروح فتعال وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية". أيها الولد: إني أنصحك بثمانية أشياء إقبلها مني لئلا يكون علمك خصما عليك يوم القيامة. تعمل منها أربعة وتدع منها أربعة. أما الأربعة اللواتي تدع: أولاً: ألا تناظر أحدا في مسألة ما استطعت لأن فيها آفات كثيرة فإثمها أكبر من نفعها إذ هي منبع كل خلق ذميم كالرياء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهاة وغيرها. نعم لو وقع مسألة بينك وبين شخص أو قوم وكانت إرادتك فيها أن يظهر الحق ولا يضيع جاز البحث. لكن لتلك الإرادة علامتان: أحداهما : ألا تفرق بين أن ينكشف الحق علي لسانك أو علي لسان غيرك. والثانية : أن يكون البحث في الخلاء أحب إليك من أن يكون في الملا. واسمع إني أذكر لك ها هنا فائدة واعلم أن السوال عن المشكلات عرض مرض القلب إلى الطبيب والجواب له سعي لإصلاح مرضه. واعلم أن الجاهلين المرضي قلوبهم والعلماء الأطباء والعالم الناقص لا يحسن المعالجة والعالم الكامل لا يعالج كل مريض بل يعالج من يرجو قبول المعالجة والصلاح وإذا كانت العلة مزمنة أو عقيما لا تقبل العلاج فحذاقة الطبيب فيه أن يقول هذا لا يقبل العلاج فلا تشتغل فيه بمداواته لأن فيه تضييع العمر
  21. أيها الولد: ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقا للشرع إذ العلم والعمل بلا إقتداء الشرع ضلالة وينبغي لك ألا تغتر بالشطح وطامات الصوفية(2) لأن سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة لا بالطامات والترهات. وأعلم أن اللسان المطلق والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة وعلامة الشقاوة فإذا لم تقتل النفس بصدق المجاهدة فلن يحيا قلبك بأنوار المعرفة. وأعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول. إن تبلغ تلك الحالة تعرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات لأنها ذوقية وكل ما يكون ذوقيا لا يستقيم وصفه بالقول كحلاوة الحلو ومرارة المر لا تعرف إلا بالذوق. كما حكي أن عنينا (غبيا) كتب إلي صاحب له أن عرفني لذة المجامعة كيف تكون. فكتب له في جوابه: يا فلان إني كنت حسبتك عنينا فقط. والآن عرفت أنك عنين وأحمق. لأن هذه اللذة ذوقية إن تصل إليها تعرف وإلا لا يستقيم وصفها بالقول والكتابة. ================================================== == (2) بما أن سيدي الشيخ الإمام الغزالي (رضي الله عنه وعن سائر الصالحين) كان يدعوا إلى التصوف الإسلامي (أي تصوف العلم والعمل والأدب) الصادق الموصل إلي حضرة الله سبحانه وتعالي عن طريق الإتباع وليس الابتداع. فبذلك حذر من المدعين والكذابين الذين يأتون بلباس الصوفية ظاهرا وباطنهم خراب لقوله سبحانه وتعالي: "كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون" وهولاء إما أن يكونوا قد انحرفوا بعد أن كانوا علي خير وأما أن يكونوا مدسوسين ومندسين لضرب أهل الإسلام وقطعهم عن قائدهم سيدنا ومولانا محمد (صلي الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم) حتى يهدموا الإحسان ثم الإيمان ثم الإسلام. نقطة أخري ايضا في غاية الأهمية عندما قال الشيخ هذه العبارة كان الوقت وقت علماء الظاهر أو الشريعة بسبب سيطرتهم ونفوذهم على الحكام فلذلك خفف الشيخ الموقف بتلك العبارة للمجاملة وحتى لا يجرح مشاعرهم لأنه كان شيخ مصلح مودَب مودِب. أيها الولد: بعض مسائلك من هذا القبيل وأما البعض الذي يستقيم له الجواب فقد ذكرناه في "إحياء العلوم" و غيره. ونذكر هاهنا نبدأ منه ونشير إليه فنقول: قد وجب علي السالك أربعة أمور: الأمر الأول : اعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة. الأمر الثاني : توبة نصوح لا يرجع بعدها إلي الزلة. الأمر الثالث : استرضاء الخصوم حتى لا يبقي لأحد عليك حق. الأمر الرابع : تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى ثم من العلوم الأخرى ما تكون به النجاة. حكي أن سيدنا الشبلي (رحمه الله) خدم أربعمائة استاذ وقال: قرأت أربعة آلاف حديث ثم اخترت منها حديثا واحدا وعملت به وخليت ما سواه لأني تأملته فوجدت خلاصي ونجاتي فيه وكان علم الأولين والآخرين كله مندرجا فيه فاكتفيت به وذلك أن سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال لبعض أصحابه: "إعمل لدنياك بقدر مقامك فيها واعمل لأخرتك بقدر بقائك فيها واعمل لله بقدر حاجتك إليه واعمل للنار بقدر صبرك عليها". أيها الولد: إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلي العلم الكثير. وتأمل في حكايات اخري وذلك أن سيدنا حاتم الأصم (رحمه الله) كان من أصحاب سيدنا الشقيق البلخي (رحمة الله) فسأله يوما: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصلت فيها؟ قال: حصلت على ثماني فوائد من العلم وهي تكفيني منه لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها. فقال شقيق: ما هي؟ قال حاتم الأصم: الفائدة الأولى : أني نظرت إلي الخلق فرأيت لكل منهم محبوبا ومعشوقا يحبه ويعشقه وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلي مرض الموت وبعضه إلي شفير القبر ثم يرجع كله ويتركه فريدا وحيدا ولا يدخل معه في قبره منهم أحد فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل في قبره ويوانسه فيه فما وجدت غير الأعمال الصالحة فأخذتها محبوبا لي لتكون سراجا لي في قبري وتوانسني فيه ولا تتركني فريدا. الفائدة الثانية : أني رأيت الخلق يقتدون بأهوائهم ويبادرون إلي مرادات أنفسهم فتأملت قوله تعالي: "وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوي" وتيقنت أن القرآن حق وصدق فبادرت إلي خلاف نفسي وتشمرت لمجاهدتها ومنعها عن هواها حتى ارتاضت لطاعة الله سبحانه وتعالي وانقادت. الفائدة الثالثة : أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا ثم يمسكه قابضا يده عليه فتأملت في قوله تعالي: "ما عندكم ينفذ وما عند الله باق". فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله تعالي ففرقته بين المساكين ليكون ذخرا لي عند الله تعالي. الفائدة الرابعة : أني رأيت بعض الخلق ظن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر فاغتر بهم وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد فافتخروا بها وحسب بعضهم الشرف والعز في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم واعتقدت طائفة أنه في إتلاف المال إسرافه وتبذيره وتأملت في قوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله اتقاكم". فاخترت التقوى واعتقدت أن القرآن حق صادق وظنهم وحسبانهم كلها باطل زائل. الفائدة الخامسة : أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضا ويغتاب بعضهم بعضا فوجدت ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم فتأملت في قوله تعالي: "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا". فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالي في الأزل فما حسدت أحدا ورضيت بقسمة الله تعالي. الفائدة السادسة : أني رأيت الناس يعادي بعضهم لغرض وسبب فتأملت قوله تعالي: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا". فعلمت أنه لا تجوز عداوة أحد غير الشيطان. الفائدة السابعة : أني رأيت كل أحد يسعى بجد ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش بحيث يقع به في شبهة وحرام ويذل نفسه وينقص قدره فتأملت في قوله تعالي: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها". فعلمت أن رزقي علي الله تعالي وقد ضمنه فاشتغلت بعبادته وقطعت طمعي عمن سواه. الفائدة الثامنة : أني رأيت كل واحد معتمدا علي شئ مخلوق: بعضهم إلى الدينار والدرهم وبعضهم إلى المال والملك وبعضهم إلى الحرفة والصناعة وبعضهم إلى مخلوق مثله فتأملت في قوله تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا". فتوكلت على الله فهو حسبي ونعم الوكيل. فقال سيدنا شقيق (رحمه الله): وفقك الله تعالى إني قد نظرت التوراة والزبور والإنجيل والفرقان فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثمانية. فمن عمل بها كان عاملا بهذه الكتب الأربعة. أيها الولد: قد علمت من هاتين الحكايتين أنك لا تحتاج إلى تكثير العلم. والآن أبين لك ما يجب على سالك سبيل الحق: إعلم أنه ينبغي للسالك شيخ مرشد مرب ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربيته ويجعل مكانها خلقا حسنا ومعنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه. ولا بد للسالك من شيخ يؤدبه ويرشده إلى سبيل الله تعالى لأن الله أرسل للعباد رسولا للإرشاد إلى سبيله. فإذا ارتحل صلي الله عليه وسلم فقد خلف الخلفاء في مكانه حتى يرشدوا إلى الله تعالى. وشرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لسيدنا رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) أن يكون عالما ولكن لا كل عالم يصلح للخلافة. وإني أبين لك بعض علاماته على سبيل الإجمال حتى لا يدعي كل احد أنه مرشد. فنقول: من يعرض عن حب الدنيا وحب الجاه وكان قد تابع لشخص بصير تتسلسل متابعته إلى سيد المرسلين (صلي الله عليه وسلم) وكان محسنا رياضة نفسه بقلة الأكل والقول والنوم وكثرة الصلوات والصدقة والصوم وكان بمتابعته ذلك الشيخ البصير جاعلا محاسن الأخلاق له سيرة كالصبر والصلاة والشكر والتوكل واليقين والقناعة وطمأنينة النفس والحلم والتواضع والعلم والصدق والحياء والوفاء والوقار والسكون والتأني وأمثالها. فهو إذا نور من أنوار سيدنا النبي (صلي الله عليه وسلم) يصلح للإقتداء به ولكن وجود مثله نادر أعز من الكبريت الأحمر ومن ساعدته السعادة فوجد شيخا كما ذكرنا وقبله الشيخ ينبغي أن يحترمه ظاهرا وباطنا. أما احترام الظاهر فهو ألا يجادله ولا يشتغل بالاحتجاج معه في كل مسألة وإن علم خطاه. ولا يلقي بين يديه سجادته إلا وقت أداء الصلاة فإذا فرغ يرفعها. ولا يكثر نوافل الصلاة بحضرته. ويعمل ما يأمره الشيخ من العمل بقدر وسعه وطاقته. وأما احترام الباطن فهو أن كل ما يسمع ويقبل منه في الظاهر لا ينكره في الباطن لا فعلا ولا قولا لئلا يتسم بالنفاق. وإن لم يستطع يترك صحبته إلى أن يوافق باطنه ظاهره. ويحترز عن مجالسة صاحب السوء ليقصر ولاية شياطين الجن والإنس عن صحن قلبه فيصفي من لوث الشيطنة وعلى كل حال يختار الفقر على الغني. ثم اعلم أن التصوف له خصلتان: (1)الاستقامة مع الله تعالى. (2)والسكون عن الخلق. فمن استقام مع الله عز وجل وأحسن خلقه بالناس وعاملهم بالحلم فهو صوفي. والاستقامة أن يفدي حظ نفسه على أمر الله تعالى. وحسن الخلق مع الناس ألا تحمل الناس علي مراد نفسك بل تحمل نفسك علي مرادهم ما لم يخالفوا الشرع
  22. سهر العيون لغير وجهك ضائع وبكاؤهن لغير فقدك باطل أيها الولد: عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به. أيها الولد أي شيء حاصل لك من تحصيل علم الكلام والخلاف والطب والدواوين والأشعار والنجوم والعروض والنحو والتصريف غير تضيع العمر بخلاف ذي الجلال. إني رأيت في إنجيل سيدنا عيسى (عليه الصلاة والسلام): "من ساعة أن يوضع الميت علي الجنازة إلي أن يوضع على شفير القبر يسأل الله تعالي بعظمته منه أربعين سؤالا. أولها يقول: عبدي طهرت منظر الخلق سنين وما طهرت منظري ساعة. وكل يوم ينظر في قلبك يقول: ما تصنع لغيري وأنت محفوف بخيري. أما أنت فأصم لا تسمع". أيها الولد: العلم بلا عمل جنون والعمل بلا علم لا يكون. واعلم أن العلم الذي لا يبعدك اليوم عن المعاصي ولا يحملك على الطاعة لن يبعدك غدا عن نار جهنم وإذا لم تعمل بعلمك اليوم ولم تدارك الأيام الماضية تقول غدا يوم القيامة: "فأرجعنا نعمل صالحا". فيقال: "يا أحمق أنت من هناك تجيء". أيها الولد: اجعل الهمة في الروح والهزيمة في النفس والموت في البدن لان منزلك القبر وأهل المقابر ينتظرونك في كل لحظة متي تصل إليهم. إياك إياك أن تصل إليهم بلا زاد. قال سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): "هذه الأجساد قفص الطيور أو إصطبل الدواب فتفكر في نفسك: من أيهما أنت؟ إن كنت من الطيور العلوية فحين تسمع طنين طبل ارجعي إلي ربك تطير صاعدا إلي أن تقعد في أعالي بروج الجنان". وكما قال سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : "اهتز عرش الرحمن من موت سعد بن معاذ (رضي الله عنه)" والعياذ بالله إن كنت من الدواب كما قال الله تعالي: "أولئك كالأنعام بل هم أضل" فلا تأمن انتقالك من زاوية الدار إلي هاوية النار. وروي أن سيدنا الحسن البصري (رحمه الله تعالي) أعطي شربة ماء بارد فاخذ القدح وغشي عليه وسقط من يده فلما أفاق قيل: مالك يا أبا سعيد؟ قال: ذكرت أمنية أهل النار حين يقولون لأهل الجنة: "أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله". أيها الولد: لو كان العلم المجرد كافيا لك ولا تحتاج إلي عمل سواه لكان نداء "هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟" ضائعا بلا فائدة. وروي أن جماعة من الصحابة (رضوان الله عليهم اجمعين) ذكروا سيدنا عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) عند سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) , فقال: "نعم الرجل هو لو كان يصلي بالليل". وقال عليه الصلاة والسلام لرجل من أصحابه: "يا فلان لا تكثر النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل يدع صاحبه فقيرا يوم القيامة". أيها الولد "ومن الليل فتهجد به نافلة لك" أمر "وبالأسحار هم يستغفرون" شكر "والمستغفرون بالأسحار" ذكر. قال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة أصوات يحبها الله تعالي: صوت الديك وصوت الذي يقرأ القرآن وصوت المستغفرين بالأسحار" وقال سيدنا سفيان الثوري (رحمة الله تعالي عليه): "إن الله تبارك وتعالي خلق ريحا تهب بالأسحار تحمل الأذكار والاستغفار إلي الملك الجبار" وقال أيضا: "إذا كان أول الليل ينادي مناد من تحت العرش: ألآ ليقم العابدون فيقومون ويصلون ما شاء الله ثم ينادي مناد في شطر الليل: ألا ليقم القانتون فيقومون ويصلون إلي السحر فإذا كان السحر نادي مناد: ألا ليقم المستغفرون فيقومون و يستغفرون فإذا طلع الفجر نادي مناد: ألا ليقم الغافلون فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم". أيها الولد: روي في وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال: "يابني لا يكنن الديك أكيس منك ينادي بالأسحار وأنت نائم". ولقد أحسن من قال شعراً: لقد هتفت في جنح ليل حمامة علـى فنن وهنا وأني لنائم كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا لما سبقتني بالبكـاء الحمائم وأزعم أني هائم ذو صـبابة لربي فلا أبكي وتبكي البهائم أيها الولد: خلاصة العلم أن تعلم الطاعة والعبادة ما هي. أعلم أن الطاعة والعبادة متابعة الشارع في الأوامر والنواهي بالقول والفعل. يعني: كل ما تقول وتفعل وتترك يكون بإقتداء الشرع كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق تكون عاصيا أو صليت في ثوب مغصوب وإن كانت صورة عبادة تأثم
  23. كتاب: أيها الولد (لشيخ الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه وعن سائر الصالحين) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا محمد رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وآله وصحبه أجمعين. إعلم أيها الولد والمحب العزيز - أطال الله بقاك بطاعته وسلك بك سبيل أحبائه: أن منشور النصيحة يكتب من معدن الرسالة. إن كان قد بلغك منه نصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي وإن لم يبلغك فقل لي: ماذا حصلت في هذه السنين الماضية ؟ أيها الولد: من جملة ما نصح به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) امته قوله عليه الصلاة والسلام : "علامة إعراض الله تعالي عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه وإن أمرا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له من العبادة لجدير أن تطول عليه حسرته ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره على شره فليتجهز إلى النار". وفي هذه النصيحة كفاية لأهل العلم. أيها الولد: النصيحة سهلة والمشكل قبولها لأنها في مذاق متبعي الهوى مرة. إذ المناهي محبوبة في قلوبهم وعلى الخصوص لمن طالب العلم الرسمي ومشتغلا في فضل النفس ومناقب الدنيا فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخلاصه فيه وأنه مستغن عن العمل وهذا اعتقاد الفلاسفة. سبحان الله العظيم ! لا يعلم هذا المغرور أنه حين حصل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة عليه آكد كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه". وروي أن الجنيد (قدِِِِس الله سره) �روي في المنام بعد موته فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم ؟ قال: "طاحت تلك العبارات وفنيت تلك الإشارات وما نفعنا إلا �ركيعات ركعناها في جوف الليل". أيها الولد: لا تكون من الأعمال مفلسا ولا من الأحوال خاليا وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد. مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة اخري وكان الرجل شجاعا وأهل حرب فحمل عليه أسد عظيم مهيب فما ظنك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟ ومن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب. فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسالة علمية وتعلمها ولم يعمل بها لا تفيده إلا بالعمل. ومثله ايضا لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجبين والكشكاب فلا يحصل البرء إلا باستعمالهما. (بيت باللسان الفارسي) كرمى دو هزار رطل همى بيمائي تامى نخورى نباشدت شيدائي(1) ولو قرأت العلم مائة سنة وجمعت ألف كتاب لا تكون مستعدا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله سبحانه وتعالى "وأن ليس للإنسان إلا ماسعى" "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا" "جزاء بما كانوا يكسبون" "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا" "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا". ================================================== == (1) وترجم هذا البيت الشيخ أمين الكردي (رضي الله عنه وعن سائر الصالحين) لو كلت ألفي رطل خمر لم تكن لتصير نشوانا إذا لم تشرب والمقصود هنا أن من ذاق هذا الفن المباح وهذا العلم العالي الشريف عرف ومن لم يذق طعم الوصال لا يعرف. وهنا ملاحظة يجب أن نحسن الظن في مقصد هذا البيت وعدم تحمل النص والمؤلف جرم وتهمة , لان قصده كان للتوضيح بلغة ذلك العصر الذي عاش فيه وهو اعرف منا بذلك فعلينا حمل البيت علي أحسن المحامل. وما تقول في هذا الحديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا". والإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان ودليل الأعمال أكثر من أن يحصي وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالي وكرمه. لكن بعد أن يستعد بطاعته وعبادته لأن "رحمة الله قريب من المحسنين". ولو قيل أيضا: يبلغ بمجرد الإيمان قلنا: نعم ولكن متي يبلغ؟ وكم من عقبة كوود يقطعها إلى أن يصل؟ فأول تلك العقبات عقبة الإيمان وأنه هل يسلم من سلب الإيمان أم لا؟ وإذا وصل هل يكون خائبا مفلسا؟ وقال الحسن البصري (رضي الله عنه): "يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم". أيها الولد: مالم تعمل لم تجد الأجر. حكي أن رجلا من بني إسرائيل عبد الله تعالى سبعين سنة فأراد الله تعالى أن يجلوه على الملائكة فأرسل الله إليه ملكا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة فلما بلغه قال العابد: نحن خلقنا للعبادة فينبغي لنا أن نعبده. فلما رجع الملك قال: إلهي أنت أعلم بما قال. فقال الله تعالى: "إذا هو لم يعرض عن عبادتنا فنحن مع الكرام لا نعرض عنه إشهدوا يا ملائكتى أني قد غفرت له". وقال سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا" وقال سيدنا علي (رضي الله عنه): "من ظن أنه بدون الجهد بصل فهو متمن ومن ظن أنه ببذل الجهد يصل فهو مستغن" , وقال سيدنا الحسن (رضي الله عنه) : "طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب" وقال: "علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل" وقال سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من اتبع هواه و تمني على الله تعالي الأماني". أيها الولد: كم من ليال أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب وحرمت علي نفسك النوم؟ لا أعلم ما كان الباعث فيه. إن كان نيل عرض الدنيا وجذب حطامها وتحصيل مناصبها والمباهاة علي الأقران والأمثال فويل لك ثم ويل لك. وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي (صلى الله عليه وسلم) وتهذيب أخلاقك وكسر النفس الأمارة بالسوء فطوبي لك ثم طوبي لك. ولقد صدق من قال شعرا
  24. ((الأنسان الحقيقي الذي هو جنس الأجناس كالجوهر عند المناطقة فان تحته أجناس وأما عند أهل التحقيق فان الحقيقة المحمدية موجودة بجزئياتها في كل نبي وولي بل هو روح لكل الأرواح ويعبر عنه بروح القدس لآن له طورأ اسرافيليأ يعبر عنه بالحقيقة الأسرافيلية التي تظهر على هياكل أهل التحقيق لتقدس أرواحهم من نقائص أحكام البشرية وغيرها ويعبر عنها بالأنسان البشري الذي هو نوع الأنواع )). مولانا الشريف أسماعيل بن تقاديم النقشبندي
  25. النور المحمدي وأولوية الخلق اختلف العلماء في أولية الخلق فقال بن الحجر الهيتمي والنبهاني وابن عربي وعبد الغني النابلسي والشيخ عبد العزيز الدباغ والإمام محمد الكتاني في شرح نظم المتناثر من الحديث المتواتر وكثيرون غيرهم بأن أول ما خلق الله هو نور سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون منهم الإمام السيوطي والغماري والهروي وغيرهم كثيرون أيضاً بأن حديث جابر لم يرق إلى درجة الحديث الصحيح فلا يؤخذ به. وقد ضعفه الحافظ العراقي حيث قال في تخريج الإحياء (رواه –حديث جابر_ الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة، وأبو نعيم من حديث عائشة بإسنادين ضعيفين)، والأمر كما هو واضح محل خلاف عند العلماء منذ آكثر من ألف عام وحتى يومنا هذا. ولا يضر الإعتقاد بأي واحد من هذين الرأيين طالما أن العلماء قد اختلفوا في هذه المسألة وجميعهم من العلماء الثقات. لكنه لم يقع الخلاف في أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق النبوة قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام (كما وردت الأحاديث الصحية الكثيرة في ذلك) وكيف يستحق الحبيب شيئاً وهو غير موجود!. فالذي اختلفوا فيه هو خلق نوره قبل الأشياء جميعاً وهي الأولوية المطلقة ثم خلق الأشياء من هذه النور، وهو ما عبر عنه حديث جابر بوضوح. وهو ما نرجحه. وخلاصة الأمر هو أن الله عز وجل قد خلق: 1. النور المحمدي (حقيقة حبيبنا صلى الله عليه وسلم) أول شيء. كما جاء في حديث سيدنا جابر والذي صححه الكثير من العلماء والذي يسانده في معناه الكثير من الأحاديث, ثم خلق منه بعد ذلك الأشياء. أما بالنسبة للكيفية التي كان عليها وقتها فلا أحد يعلمها إلا الله لأننا نتكلم عن حقيقة النور المحمدي لا عن روحه أوجسده الشريفين. 2. ثم خلق الله سبحانه روح حبيبنا صلى الله عليه وسلم عندما قبل أن يستحق صلى الله عليه وسلم النبوة قبل أي نبي وحتى قبل خلق آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف عام. 3. ثم خلق الله جسده الشريف الطاهر في رحم أمه آمنة بنت وهب. وهذا ليس بمستحيل عقلاً. وتصورنا لذلك معناه أن الله تعالى قد خلق نوراً معيناً ليكون الخامة الأولية التي خلق منها الأشياء جميعاً. كما هي الحال بالطينة الأولى التي خلق منها آدم عليه السلام وكانت الجبلة التي خلق منها جميع البشر {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} فالطين هي الخامة الأولى لبني البشر . وكما هي الحال في خلق السماء من دخان {ثم استوى إلى السماء وهى دخان} فالدخان هو الخامة الأولى للسماوات. فهذا النور الذي هو الخامة الأولى لجميع الأشياء هو الذي سمي بالنور المحمدي وهو نفسه حقيقة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. ونـحن هنا لا نتكلم عن ضوء أو جسد أو أي شيء مادي إنما نتكلم عن نور يكون خامة أولية لعملية الخلق الأشياء. ويبدو أن هذا النور المحمدي هو السر الذي يكمن وراء تسبيح الأشياء والله أعلم {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}. ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع تسبيح الحصى والجبال والأشجار، بل بهذا الفهم نستطيع أن نفهم قصة الشجرة التي استأذنت ربها أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! لأنها رأت ما يربطها به صلوات ربي وسلامه عليه (... فنام النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له، فقال: هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذن لها) دلائل النبوة للبيهقي. وقد حفلت كتب الحديث الكثير الكثير من قصص تعرف الجمادات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وحزنها على فراقه أيضاً كقصة جذع الشجرة المشهورة. وهذا يعني أن النور المحمدي هو بمثابة الروح للجسد بالنسبة لجميع المخلوقات النورانية (لأن ما خلق من الظلمة كأرواح الكفار والمستقذرات وغيرها ليس فيه نور أصلاً). جاء في كشف الخفاء، الإصدار للإمام العجلوني: حرف الهمزة مع الواو: الحديث رقم 827: أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر (الحديث) رواه عبد الرزاق بسنده، عن جابر بن عبد الله بلفظ قال: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شئ خلقه الله قبل الأشياء. قال: يا جابر، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول: حملة العرش، ومن الثاني: الكرسي، ومن الثالث: باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الأول: السماوات، ومن الثاني: الأرضين ، ومن الثالث: الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول: نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني: نور قلوبهم وهي المعرفة بالله، ومن الثالث: نور إنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله. وحديث جابر المذكور في مسند عبد الرزاق والذي ذكره الكثيرون من أهل العلم القدماء قد حذف من مسند عبد الرزاق في النسخ الموجود الآن في الأسواق. وبدأ بعض العلماء في عصرنا يشككون في وجوده أصلاً حتى كشف أحد علماء الأزهر منذ شهرين على إحدى القنوات الفضائية أنه حقق مخطوطة موجودة في (هولندا على ما أذكر) لمسند عبد الرزاق وقد وجد فيها هذا الحديث كما ذكره العلماء الأولون. وهذا يدل على أن الحديث نزع من النسخ الموجودة في عصرنا هذا لأسباب معينة!!. وإذا ربطنا الفهم السابق حول النور المحمدي بحديث جابر : فسنصل إلى نتيجة مفادها أن درجة إيمان أي مؤمن ربما تعود إلى نصيبه من ذلك النور المحمدي. وهو سر السر الذي تكلم عنه العارفون بالله (والله أعلم). كما جاء في حزب الهمزة من أوراد الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية: (وبسرِّ سرِّ السرِّ من أخفـــــــــــيته نلني اطلاعاً كاشفاً لعمائــــــــي) وبالتالي فإن درجة العلاقة بالحبيب صلى الله عليه وسلم ربما تعود إلى نصيبه من هذا النور المحمدي أيضاً. والله أعلم. وفيما يلي بعض الأحاديث على سبيل المثال لا الحصر والتي تكلمت عن بداية خلق الحبيب صلى الله عليه وسلم: 1. وجاء في المواهب اللدنية بعدما أورد حديث جابر: واختلف هل القلم أول المخلوقات بعد النور المحمدي أم لا؟ فقال الحافظ أبو يعلى الهمداني: الأصح أن العرش قبل القلم، لما ثبت في الصحيح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، فهذا صريح في أن التقدير وقع بعد خلق العرش، والتقدير وقع عند أول خلق القلم، فحديث عبادة بن الصامت مرفوعا (أول ما خلق الله القلم، فقال له أكتب، فقال: رب وما أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شئ) رواه أحمد الترمذي وصححه. وروى أحمد والترمذي وصححه أيضا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا: إن الماء خلق قبل العرش. وروى السدي بأسانيد متعددة إن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء، فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا النور النبوي المحمدي والماء والعرش. وقيل الأولية في كل شئ بالإضافة إلى جنسه، أي أول ما خلق الله من الأنوار نوري وكذا باقيها، وفي أحكام ابن القطان فيما ذكره ابن مرزوق، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نورا بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام. 2. كما ذكر سليمان بن سبع السَّبْتي في كتابه �شفاء الصدور� هذا الحديث جابر السابق بدون إسناد بروايتين مختلفتين متقاربتين، هما من بين ما في المذاهب مع مخالفة في ترتيب المخلوقات وفي تعيينها. 3. الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن ميسرة الفجر قال: قلت يا رسول الله متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه كان نبيا أي كتب نبيا وآدم بين الروح الجسد. 4. ويدل على هذا القول أيضاً: ما رواه الترمذي عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. 5. وقال صلى الله عليه وسلم: إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. أي كتبت نبوتي وأظهرت لما خلق آدم قبل نفخ الروح فيه، كما يكتب الله رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد، إذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه . 6. الحديث رقم: 2007 - كنت أول النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث. قال في المقاصد: رواه أبو نعيم في الدلائل وابن أبي حاتم في تفسيره ومن طريقة الديلمي عن أبي هريرة مرفوعا، وله شاهد من حديث ميسرة الفخر. أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه والبغوي، وابن السكن، وأبو نعيم في الحلية وصححه الحاكم بلفظ: كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد. 7. وفي الترمذي وغيره عن أبي هريرة، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: متى كنت أو كتبت نبيا؟ قال: كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد. وقال الترمذي حسن صحيح، وصححه الحاكم أيضا. وفي لفظ وآدم منجدل في طينته. وفي صحيحي ابن حبان والحاكم عن العرباض بن سارية مرفوعا إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وكذا أخرجه أحمد الدارمي وأبو نعيم، ورواه الطبراني عن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. وعن الشعبي، قال رجل: يا رسول الله متى استنبئت؟ قال: وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق. وقال التقي السبكي: فإن قلت: النبوة وصف لا بد أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد أربعين سنة، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله؟ قلت: جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد. فقد تكون الإشارة بقوله: كنت نبيا، إلى روحه الشريفة أو حقيقته والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعرفها خالفها ومن أمده بنور إلهي، ونقل العلقمي عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، مرفوعا أنه قال: كنت نورا بين يدي ربي عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام. على كل حال يبقى الموضوع غير قابل للحسم بين الفريقين من العلماء ولا ضير في أن يعتقد المرء أحد القولين والله أعلم
×
×
  • Create New...